للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ ذَبَحَ مَا يُنْحَرُ مِنَ الْإِبِلِ حَلَّ، وَإِنْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرُمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) {المائدة: ٣) وَلَمْ يَخُصَّ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَعْلَاهُمَا وَالنَّحْرَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَسْفَلِهِمَا فَاسْتَوَى حُكْمُ قَطْعِهِمَا فِي الْمَحَلَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا حَلَّ بِالذَّبْحِ حَلَّ بِالنَّحْرِ كَالْإِبِلِ؛ وَلِأَنَّ مَا حَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ حَلَّتْ بِهِ الْبَقَرُ كَالذَّبْحِ، فَأَمَّا إِذَا قَطَعَ مَا فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فِي الرَّأْسِ وَمَا دُونَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ من الجوف لم تحل، وإن وحي فصار كقطعهما باثنين.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عباسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَزَادَ عُمَرُ وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ وَنَهَى عَنِ النَّخَعِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا قَوْلُهُ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ فَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَسْنُونًا عَنِ الرَّسُولِ، وَمَأْثُورًا عَنِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ مَضَى حُكْمُ الذَّكَاةِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ ".

فَالزَّهَقُ: الْإِسْرَاعُ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِسْرَاعُ خُرُوجِ النَّفْسِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) {التوبة: ٥٥) وَفِي الْمُرَادِ بِنَهْيِ عُمَرَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْطَعَ أَعْضَاءَ الذَّبِيحَةِ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهَا لِيَتَعَجَّلَ أَكْلَهَا كَالَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُعَجِّلَ سَلْخَهَا قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهَا لِيَتَعَجَّلَ أَكْلَهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَا تَضْطَرِبَ لِيَتَعَجَّلَ خُرُوجَ رُوحِهَا كَالْيَهُودِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْإِبَاحَةِ لِوُجُودِهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ، وَأَغْلَظُهَا فِي الْكَرَاهَةِ قَطْعُهَا ثُمَّ سَلْخُهَا ثُمَّ إِمْسَاكُهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمِ الْأَكْلُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَمَّا نَهْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّخْعِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَنْخَعُوا وَلَا تَفَرَّسُوا " فَأَمَّا النَّخْعُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَسْرُ الْعُنُقِ فِي قوله الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّانِي: كَسْرُ عَظْمِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>