للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ أَعَمُّ، وَجَمِيعَ الْقُضَاةِ خلفاؤه، وفي منعه عن ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى مَنْعِ سَائِرِ خُلَفَائِهِ.

فَصْلٌ

: إِذَا كَانَ الْمُحْرِمُ خَاطِبًا فِي النِّكَاحِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحِلِّ أَنْ يَخْطُبَ مُحْرِمَةً لِيَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ إِحْلَالِهَا، كَمَا يُكْرَهُ لَهُ خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ لِتَزْوِيجِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ خِطْبَةُ الْمُحْرِمَةِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ إِحْلَالَ الْمُحْرِمَةِ مِنْ فِعْلِهَا يُمْكِنُهَا تَعْجِيلُهُ، وَالْعِدَّةُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا، فَرُبَّمَا عَلَيْهَا شِدَّةُ الْمَيْلِ إِلَيْهِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْأَجَلِ لتتعجل تَزْوِيجَهُ.

فَصْلٌ

: إِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا عَقَدْنَا النِّكَاحَ، وَأَحَدُنَا مُحْرِمٌ، وَقَالَ الْآخَرُ عَقَدْنَاهُ وَنَحْنُ حَلَالَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى عَقْدَهُ وَهُمَا حَلَالَانِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ ظَهَرَ صَحِيحًا، وَحُدُوثُ الْإِحْرَامِ مُجَوَّزٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي مُدَّعِي الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُدَّعِيَةً، فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَهُمَا عَلَى الزوجية، وإن كان الزوج مدعيه، حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ النَّسْخَ، وَهُوَ مقربه، لَكِنَّ عَلَيْهِ الْمَهْرَ، إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَمِيعُهُ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إِذَا طَلَّقَهَا تطليقة، مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا كَمَا قَالَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ فِي عَيْنِهِ كَالنِّكَاحِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ عَقْدًا ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا هِيَ اسْتِصْلَاحُ خَلَلٍ فِيهِ، وَرَفْعُ تَحْرِيمٍ طَرَأَ عَلَيْهِ، يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ مَعَ حُصُولِ الْعَقْدِ، كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ وَالْعَوْدَةَ، قَدْ أَوْقَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ تَحْرِيمًا يَرْفَعُهُ التَّكْفِيرُ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُحْرِمُ الْمُظَاهِرُ مَمْنُوعًا مِنَ التَّكْفِيرِ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِهِ مَا طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ مِنَ التَّحْرِيمِ، فَأَمَّا النِّكَاحُ، فَمُفَارِقٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَقْدٍ مُفْتَقِرٍ إلى ولي، وشهود، ورضا، وبذل، وَقَبُولٍ وَالرَّجْعَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذلك.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْمِنْطَقَةَ لِلنَّفَقَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لُبْسُ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ جَائِزٌ احْتَاجَ إِلَى لُبْسِهَا، أَوْ لَمْ يَحْتَجْ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَدَّ فِي وَسَطِهِ حَبْلًا، أَوِ احْتَزَمَ بِعِمَامَةٍ. وقال مالك: لا يجوز ذلك إلا في حجة مَاسَّةٍ احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَى رَجُلًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ أَبْرَقَ فَقَالَ: انْزَعِ الْحَبْلَ مَرَّتَيْنِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِهِ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>