مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ.
فَأَمَّا مَنْ لَا يَقْصِدُ النَّظَرَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْعِلْمِ فَالَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا يَجِبُ أَنْ يَتْلُوَهُ فِي صَلَاتِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِذَا جَمَعَ النَّاظِرُ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ عِلْمِ الْحَوَاسِّ وَلِسَانِ الْعَرَبِ صَحَّ مِنْهُ النَّظَرُ فِي الْأُصُولِ وَكَانَا أَصْلَيْنِ فِي الْعِلْمِ بِهَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي الْعِبَارَةِ عَنِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَصْلُ مَا دَلَّ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَرْعُ مَا دَلَّ عليه غيره. فعلى هذا الْعِبَارَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الْكِتَابِ إنَّهُ فَرْعٌ لِعِلْمِ الْحِسِّ، لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَصْلُ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا تَفَرَّعَ عَنْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْكِتَابِ إنَّهُ فرع لعلم الحسن، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهُ وَجَعَلَهُ أَصْلًا دَلَّ العقل عليه.
[(فصل: [الأصول الشرعية] )]
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَالْأُصُولُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أولا: الكتاب.
فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ: الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩] وَقَالَ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] وَقَالَ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠] .
(ما يشتمل عليه الكتاب)
:
وَكِتَابُ اللَّهِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ.
وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِخْبَارٌ لِعِلْمِهِ بِمَا كَانَ وَيَكُونُ. وَمَا وَرَدَ فِيهِ عَلَى صِيغَةِ الِاسْتِخْبَارِ وَالِاسْتِفْهَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ تَقْرِيرٌ أَوْ وَعِيدٌ.
وَقَدْ حُدَّ مَا فِيهِ بِأَخَصَّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى إِعْلَامٍ وَإِلْزَامٍ.
فَالْإِعْلَامُ: وَعْدٌ أَوْ وَعِيدٌ، وَلَيْسَ يَخْلُو مَا فِيهِ مِنَ النُّصُوصِ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَعْدٌ أَوْ وَعِيدٌ.
وَالْإِلْزَامُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ.
فَالْأَمْرُ مَا تُعُبِّدَ بِفِعْلِهِ.