وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَإِنِ انْقَضَتْ عَدَّتُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا ثَالِثًا لِلشَّافَعِيِّ تَخْرِيجًا.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ أَبَدًا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا رَابِعًا لِلشَّافِعِيِّ تَخْرِيجًا، فَإِذَا قِيلَ: لَا تَرِثُ فَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا البغداديون عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ " وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا سَقَطَ بِهِ الْخِلَافُ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تمنع من الميراث في حال الصِّحَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَمْنَعَ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي حال المرض كاللعان، ولأن كل طلاق يمنع مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَنَعَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ كَالطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعَقْدِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِطَلَاقِ الْمَرِيضِ كَانَ سُقُوطُ الْمِيرَاثِ أَوْلَى وَإِذَا قِيلَ: تَرِثُ، فَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الكلابية فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فورثها عثمان بن عفان.
وروى إبراهيم التميمي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُكْمِلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ بِهِ الْفَالِجُ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَاتَانِ القضيتان مِنْ عُثْمَانَ عَنِ ارْتِيَاءِ وَاسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ لَا سيما زوجة عبد الرحمن مع إشهار أَمْرِهَا وَمُنَاظَرَةِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تُورِثَ مَبْتُوتَةً قُلْنَا: مَا ادَّعَيْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعًا فَيَرْتَفِعُ بِخِلَافِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَرِيضُ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضْرَارِ الْوَارِثِ فكان أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ إِسْقَاطِ الْوَارِثِ وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْمِيرَاثِ تُهْمَتَانِ تُهْمَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَتُهْمَةٌ فِي إِسْقَاطِهِ فَلَمَّا كَانَتِ التُّهْمَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَهِيَ تُهْمَةُ الْقَاتِلِ رَافِعَةً لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمِيرَاثَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ فِي إِسْقَاطِهِ بِالطَّلَاقِ رَافِعَةً لِإِسْقَاطِ الْمِيرَاثِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَرِثْهُ وَكَانَ إِقْرَارًا فِي الْمَرَضِ لَا طَلَاقًا، وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ: هُوَ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ وَتَرِثُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ عَقْدًا، وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا وَلَوْ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُهَا فَأَقَرَّ بِتَقْدِيمِ طَلَاقِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِهِ فِي الْمَرَضِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِي الْمَرَضِ فَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَيَّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فِي مَرَضِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ فَلَا تَرِثُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ فِي الْمَرَضِ بِطَلَاقٍ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قد أتم الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ ثُمَّ عَيَّنَهُ عِنْدَ بَيَانِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي المعينة بالطلاق عند البيان هل يقتضي وقوع الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَقْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute