وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَجَبَتِ ابْتِدَاءً عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمَّا انْتَقَلَتْ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِعَقْدٍ أَوِ الْتِزَامٍ وَهِيَ تَلْزَمُهُمْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا الْتِزَامٍ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ دَيْنًا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْجَانِي وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِهَا لوجوبها على غيره.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " (قَالَ) وَلَا أُحَمِّلُ الْمَوَالِيَ مِنْ أَسْفَلَ عَقْلًا حَتَّى لَا أَجِدَ نَسَبًا وَلَا مَوَالِيَ مِنْ أَعْلَى ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ لَا أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ وَلَكِنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَوَالِيَ ضَرْبَانِ:
مَوْلًى مِنْ أَعْلَى وَهُوَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ. وَمَوْلًى مِنْ أَسْفَلَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ.
فَأَمَّا الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَيَعْقِلُ عَنِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَيَرِثُهُ وَحُكْمُ عَقْلِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَأَمَّا الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَلَا يَرِثُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَفِي عَقْلِهِ عَنْهُ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَعْقِلُ عَنْهُ كَمَا لَا يَرِثُهُ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَاتِ وَرِثُوا فَعَقَلُوا، وَهَذَا لَا يرث فلم يعقل، لأن غرم العقل مقابلاً لِغُنْمِ الْمِيرَاثِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ يَعْقِلُ كَمَا يَعْقِلُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا عَقَلَ الْأَعْلَى عَنِ الْأَسْفَلِ وَجَبَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَسْفَلُ عَنِ الْأَعْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا عَقَلَ الْأَعْلَى مَعَ إِنْعَامِهِ كَانَ عَقْلُ الْأَسْفَلِ مَعَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فِي الْعَقْلِ بِمِيرَاثِهِ، فَإِنْ عَجَزَ شَرَكَهُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَيَكُونُ الْأَسْفَلُ مَعَ الْأَعْلَى جَارِيًا مَجْرَى الْأَعْلَى مَعَ الْعَصَبَاتِ وَاللَّهُ أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute