للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَدَّاهُ مُكْرَهًا رَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ أَدَّاهُ مُخْتَارًا، فَإِنْ كَانَ صَدِيقًا لِلرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الثَّابِتَ فِي ذِمَّةِ الرَّجُلِ إِذَا تَطَوَّعَ بِهِ الْغَيْرُ فَقَضَاهُ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى جَنَازَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ، وَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

فَلَوْ كَانَ يَثْبُتُ لِعَلِيٍّ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَيِّتِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَكَانَ لَا يُصَلِّي لِبَقَاءِ الدِّرْهَمَيْنِ عَلَيْهِ وَإِنِ انْتَقَلَتْ مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ. فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عُلِمَ سُقُوطُ ذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَبْقَى لِعَلِيٍّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَوْ أَدَّاهُ الْعَدُوُّ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الصَّدِيقُ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ.

أَصْلُهُ: إِذَا نُهِيَ عَنْ أَدَائِهِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَوْ أَدَّاهُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ أَدَائِهِ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ فَإِذَا أَدَّاهُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ أَدَائِهِ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ كَالْعَدُوِّ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِإِذْنِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِإِذْنِهِ وَيَشْتَرِطَ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ، فَيَقُولُ: أَدِّ عَنِّي وَارْجِعْ بِهِ عَلَيَّ فَهَذَا يَرْجِعُ بِهِ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ، فَيَقُولُ: أَدِّ عَنِّي. فَهَلْ يُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا. عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُرْجَعُ بِهِ. لِأَنَّ إِذْنَهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلَبًا، لِأَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَدَائِهِ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا لِيَرْجِعَ بِهِ وَمَعَ احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ إِلَّا بِيَقِينٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَرْجِعُ بِهِ، لِأَنَّ إِذْنَهُ فِي أَدَائِهِ عَنْهُ كَإِذْنِهِ فِي إِتْلَافِ مَالِهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إِتْلَافِ مَالِهِ فَقَالَ: أَتْلِفْ عَلَيَّ مَالِي سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ بِإِذْنِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِسُقُوطِهِ. كَذَلِكَ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي أَدَائِهِ فَقَالَ: أَدِّ عَنِّي وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرَهَنَهُ قَبْلَهَا فجائز وَهُوَ قَطْعٌ لِخِيَارِهِ وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَتَمَّ لَهُ مِلْكُهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>