للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيلَ: فَالْأَوْلَى دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ، وَالْحَجُّ مَعَهُمْ أَوِ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ الْمُقَامِ، قُلْنَا: إِنْ كَانَ طَالِبُ الْمَالِ كَافِرًا فَالْأَوْلَى الْكَفُّ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَالْقُعُودُ عَنِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ طَالِبُ الْمَالِ مُسْلِمًا، فَالْأَوْلَى دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَالْخُرُوجُ مَعَهُ إِنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِهِ، وَأَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ مَالِهِ وَنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ كَانَ لَهُ الْإِحْلَالُ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِهِ فَلِأَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْلَى، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

فَصْلٌ

: لَيْسَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا تُرْجَى سَلَامَتُهُ، وَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَقَالَ أبو حنيفة لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، كَالْمَعْضُوبِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فِي الْحَالِ، فَهُوَ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْهُ فَصَارَ كَالْمَحْبُوسِ، وَفَارَقَ الْمَعْضُوبَ، لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْهُ وَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ نُظِرَ فِي حَالِهِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ نُظِرَ فِي مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ لِوُقُوعِ الْحَجِّ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي زَمَانٍ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ أَنْ حَجَّ عَنْهُ، فَفِي إِجْزَائِهِ قولان:

أصحهما: لا يجزي اعتباراً بالابتداء.

والقول الثاني: يجزي اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا تُرْجَى سلامته ولا برؤه لكونه زمناً أو معضوياً، جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ لِوُجُودِ الْإِيَاسِ مِنْ بُرْئِهِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ قَبْلَ بُرْئِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، وَصَارَ إِلَى حَالَةٍ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ نُظِرَ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ قَبْلَ صِحَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا مَضَى لَا يُجْزِيهِ، وَفَرْضُ الْحَجِّ بَاقٍ عَلَيْهِ لِفَقْدِ مَا بِهِ مِنَ الْإِيَاسِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْأَعْمَى إِذَا قَدَرَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَوَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ جَازَ قَالَ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ تَعَلَّقَتْ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْأَعْمَى كَالْمُجَاهِدِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْعَمَى لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ فَقْدِ الْهِدَايَةِ بِالطَّرِيقِ، وَمَوَاضِعِ النُّسُكِ وَالْجَهْلُ بِذَلِكَ لَا يُسْقِطُ، وُجُوبَ الْقَصْدِ كَالْبَصِيرِ يَسْتَوِي حُكْمُ الْعَالَمِ بِهِ، وَالْجَاهِلِ إِذَا وَجَدَ دَلِيلًا فَكَذَلِكَ الْأَعْمَى وَلِأَنَّهُ فَقَدَ حَاسَّتُهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهَا فَرْضُ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، كَالصَّمَمِ فَلَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>