للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِنْسًا، وَيَسْتَكْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ، مِنَ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَأَنْ يَتَمَيَّزَ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْقُضَاةِ، مِنَ الْقَلَانِسِ وَالْعَمَائِمِ السُّودِ، وَالطَّيَالِسَةِ السُّودِ، فَقَدِ اعْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يَوْمَ دُخُولِ مَكَّةَ، عَامَ الْفَتْحِ، بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ تَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَيَكُونُ نَظِيفَ الْجَسَدِ، يَأْخُذُ شَعْرَهُ وَتَقْلِيمَ ظُفُرِهِ، وَإِزَالَةَ الرَّائِحَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ بَدَنِهِ، وَيَسْتَعْمِلُ مِنَ الطِّيبِ مَا يخْفى لَوْنُهُ، وَتَظْهَرُ رَائِحَتُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمٍ يَنْظُرُ فِيهِ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَلَا يَسْتَعْمِلُ من الطيب ما نم.

(مجلس القاضي)

:

وأما مجلسه في الحكم فيبغي أَنْ يَكُونَ فَسِيحًا لَا يَضِيقُ بِالْخُصُومِ وَلَا يَسْرَعُ فِيهِ الْمَلَلُ وَيَفْتَرِشُ بِسَاطًا، لَا يُزْرِي، وَلَا يطْغى، وَيَخْتَصُّ فِيهِ بِمَقْعَدٍ وَوِسَادَةٍ، لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِمَا. وَلْيَكُنْ جُلُوسُهُ فِي صَدْرِ مَجْلِسِهِ، لِيَعْرِفَهُ الدَّاخِلُ عَلَيْهِ بِبَدِيهَةِ النَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا فِيهِ الْقِبْلَةَ كَانَ أَفْضَلَ.

وَيَفْتَتِحُ مَجْلِسَهُ بِرَكْعَتَيْنِ، يَدْعُو بَعْدَهُمَا بِالتَّوْفِيقِ، وَالتَّسْدِيدِ، ثُمَّ يَطْمَئِنُ فِي جُلُوسِهِ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا أَوْ غَيْرَ مستند.

(سمت القاضي) .

وَأَمَّا سَمْتُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ غَاضَّ الطَّرْفِ، كَثِيرَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الْكَلَامِ، يَقْتَصِرُ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى سُؤَالٍ أَوْ جَوَابٍ، وَلَا يَرْفَعُ بِكَلَامِهِ صَوْتًا، إِلَّا لِزَجْرٍ وَتَأْدِيبٍ، وَلِيُقَلِّلَ الْحَرَكَةَ وَالْإِشَارَةَ، وَلَيَقِفْ مِنْ أَعْوَانِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَنْ يَسْتَدْعِي الْخُصُومَ إِلَيْهِ، وَيُرَتِّبُ مَقَاعِدَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَكُونُ مَهِيبًا مَأْمُونًا لَيَنْصَانَ به مجلسه، وتكمل به هيبته.

(يوم جلوسه للحكم) .

وَيَجْعَلُ يَوْمَ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ الْعَامِّ مَعْرُوفَ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَأَوَّلُ النَّهَارِ أَوْلَى بِهِ مِنْ آخِرِهِ.

وَالِاعْتِدَالُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَانِ إِنْ أَقْنَعَا، وَلَا يَخْلُ يَوْمٌ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ.

فَإِنْ وَرَدَتْ فِيمَا عَدَاهُ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ لَمْ يُؤَخِّرْهَا، إِنْ ضَرَّتْ وَكَانَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي النَّظَرِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا بِنَفْسِهِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الرَّاحَةَ وَالدَّعَةَ لِئَلَّا يُسْرِعَ إِلَيْهِ مَلَلٌ وَلَا ضَجَرٌ.

(فَصْلٌ)

: وَالْقِسْمُ الثَّانِي آدَابُ الْقُضَاةِ مَعَ الشُّهُودِ: فَمِنْ آدَابِهِمْ مَعَهُمْ إِذَا تَمَيَّزُوا وَارْتَسَمُوا بِالشَّهَادَةِ، أَنْ يَكُونَ مَقْعَدُهُمْ فِي مَجْلِسِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِمْ بِالصِّيَانَةِ، وَلَا يُسَاوِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي مَقْعَدِهِ، وَلَا فِيمَا تَخَصَّصَ بِهِ مِنْ سَوَادِهِ، وَقَلَنْسُوَتِهِ، لِيَتَمَيَّزَ لِلْخُصُومِ الْقَاضِي من شهوده.

<<  <  ج: ص:  >  >>