للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ بِمَا نَذَرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْحَرَمِ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ الحرم.

أَحَدُهُمَا: لَا تَتَعَيَّنُ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ جَمِيعِ الْحَرَمِ وَاحِدَةٌ، وَلَأَنْ يُشَاهِدَ الْكَعْبَةَ فِي صَلَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ لَا يُشَاهِدَهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " النَّظَرُ إِلَى الْكَعْبَةِ عبادةٌ ".

وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِصَرِيحِ نَذْرِهِ وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ في المسجد الأقصى؛ لا تجزئه فِي غَيْرِهِ؛ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ كُنْتُ امْرَأً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَا أَتَى عَلَيَّ سَبْتٌ حَتَّى آتِيَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ بِمَا نَذَرَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَلْتَزِمَ بِانْعِقَادِ نَذْرِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ الْحَرَمِ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، فَعَلَى هَذَا فِي الْتِزَامِهِ مَا عَقَدَ بِهِ نَذْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَقَلَ نَذْرَهُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَلَمْ يَجْمَعْ عَلَيْهِ بَيْنَ بَدَلٍ، وَمُبْدَلٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بِهَا بِنَذْرِهِ، وَمُلْتَزِمُ الْإِحْرَامِ بِدُخُولِ الْحَرَمِ، فصارت الصلاة واجب عليه بالنذر، والإحرام واجبة عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ بَدَلٌ وَمُبْدَلٌ والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِغَيْرِهَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَهُ بِغَيْرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا حَيْثُ نَذَرَ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا نَذْرُ النَّحْرِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْذِرَ النَّحْرَ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النَّذْرُ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَا اخْتَصَّ بِالْقُرْبَةِ وَلَا نَذْرَ فِيمَا تَجَرَّدَ عَنْهَا، وَهَذَا عَائِدٌ إِلَيْهِ فَتَجَرَّدَ عَنْ قُرْبَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا، أَوْ يَلْبَسَ ثَوْبًا.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَنْذِرَ نَحْرَهُ لِلْمَسَاكِينِ؛ فَهَذَا نَذْرٌ لَازِمٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُرْبَةِ، فَإِنْ نَذَرَهُ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَلَزِمَهُ نَحْرُهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إِلَيْهِمْ وَإِنْ دَفَعَهُ حَيًّا إِلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِمَا فِي إِرَاقَةِ دَمِ الْهَدْيِ مِنَ الْقُرْبَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُمْ فِي لَحْمِهِ، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ لَحْمَهُ نِيئًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْبَخَ قَبْلَ دَفْعِهِ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِهِ نِيئًا يصنعون به ما شاؤوا أَعَمُّ مِنِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>