قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْغَصْبِ أَوْ حَادِثًا بَعْدَهُ وَقَالَ أبو حنيفة وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْغَاصِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَصْبُ حَمْلًا أَوْ حَادِثًا إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ فَيَضْمَنُ بِالْمَنْعِ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي زِيَادَةِ الْبَدَنِ، فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ كَالرِّيحِ إِذَا أَطَارَتْ ثَوْبًا وَالشَّاةِ إِذَا دَخَلَتْ لَهُ دَارًا.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَالْأُمِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَاهُ لَقُبِلَ قوله لمكان يده فوجب أن يكون ضامن لَهُ بِالْيَدِ كَأُمِّهِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ أَقْوَى مِنْ ضَمَانِ الصَّيْدِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الصَّيْدِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فَوَلَدُ الْغَصْبِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا ضُمِنَتْ بِهِ الْأُمُّ مِنَ التَّعَدِّي ضُمِنَ بِهِ الْوَلَدُ كَالصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا ضُمِنَ بِهِ وَلَدُ الصَّيْدِ ضُمِنَ بِهِ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ كَمَا لَوْ مُنِعَ، وَلِأَنَّ أبا حنيفة يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا وَقْتَ الْغَصْبِ مَضْمُونًا أَوْ مَغْصُوبًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَصْلٍ مَضْمُونٍ بِالتَّعَدِّي فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَمَغْصُوبًا كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ. وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْمَغْصُوبِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا كَالسِّمَنِ وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْجِنَايَةِ ضُمِنَ بِالْغَصْبِ كَالْمُنْفَصِلِ، وَلِأَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يُضْمَنَ بِالْغَصْبِ خَارِجَ وِعَائِهِ، صَحَّ أَنْ يُضْمَنَ بِهِ فِي وِعَائِهِ كَالدِّرْهَمِ فِي كِيسٍ وَالْحُلِيِّ فِي حُقٍّ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِدُخُولِ الشَّاةِ إِلَى دَارِهِ وَالثَّوْبِ إِذَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إِلَيْهَا فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُتَعَدِّيًا فَلَمْ يَكُنْ ضَمَانًا وَيَكُونُ بِإِمْسَاكِ الْوَلَدِ مُتَعَدِّيًا فَكَانَ ضَامِنًا. أَلَا تَرَى أَنَّ دُخُولَ الصَّيْدِ إِلَى دَارِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَوِلَادَةُ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ تُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ لِتَعَدِّيهِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ فَسَوَاءٌ تَلِفَ بَعْدَ إِمْكَانِ رَدِّهِ أَوْ قَبْلَ إِمْكَانِهِ فَضَمَانُ قِيمَتِهِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أُمِّهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنْ كَانَ نَقْصُهَا لِغَيْرِ الْحَمْلِ ضَمِنَهُ مَعَ قيمة الولد وإن كان نقصها لأجل الحمل لم يضمنها مَعًا لِأَنَّ ضَمَانَ وَلَدِهَا هو ضَمَانٌ لِحَمْلِهَا فَكَانَ ضَامِنًا لِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نَقْصِ الْحَمْلِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ.
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ فللولد ثلاثة أحوال يُضْمَنُ فِيهَا، وَحَالٌ لَا يُضْمَنُ فِيهَا، وَحَالٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَأَمَّا حَالُ الضَّمَانِ فَفِي الْغَصْبِ وَالْجِنَايَةِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْوَلَدِ فِيهَا وَاجِبٌ كَالْأُمِّ. وَأَمَّا حَالُ سُقُوطِ الضَّمَانِ فَفِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ. وَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّ وَلَدَ الْمُسْتَأْجَرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute