للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَاوَضَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حد الشبع ك ٧ طعام الْوَلَائِمِ، وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الِاسْتِطْعَامِ وَالْإِطْعَامِ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، فَأَوْجَبَ إِطْلَاقُ الْإِذْنِ حَمْلَهُ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْمَعْهُودِ فِيهِ.

فَلَوِ اخْتُلِفَ فِي الْإِذْنِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: أَذِنْتُ لَكَ فِي أَكْلِهِ بِعِوَضٍ لِي عَلَيْكَ.

وَقَالَ الْمُضْطَرُّ: بَلْ أَذِنْتَ لِي فِي الْأَكْلِ مُبِيحًا، فَلَا عِوَضَ لَكَ عَلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ.

فَإِنِ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْقِيمَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضْطَرِّ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.

(فَصْلٌ:)

وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مالك الطعام في الأكل، فلم يَخْلُو الْمُضْطَرُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ جَبْرًا وَلَا يَتَعَدَّى الْآخِذُ إِلَى قِتَالِهِ، وَفِي قَدْرِ مَا يَسْتَبِيحُ أَخْذَهُ مِنْهُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْرُ مَا يُمْسِكُ بِهِ رَمَقَهُ.

وَالثَّانِي: مَا يَنْتَهِي بِهِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ، وَيَأْكُلُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَحْمِلُهُ؛ لِأَنَّ ضَرُورَتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَكَانِهِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَزُولَ الضَّرُورَةُ إِنْ زَالَ عَنْهُ، فَإِذَا أَكَلَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِمَكَانِهِ فِي وَقْتِهِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِهِ، وَلَا عَلَى قِتَالِهِ عَلَيْهِ، فَمَالِكُ الطَّعَامِ عَاصٍ بِالْمَنْعِ، وَمَعْصِيَتُهُ إِنْ أَفْضَتْ إِلَى تَلَفِ الْمُضْطَرِّ أَعْظَمُ، لَكِنْ لَا يَضْمَنُهُ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَنْعُهُ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ كَانَ مَذْهَبًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ جَعَلَتْ لَهُ فِي طَعَامِهِ حَقًّا، فَصَارَ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَنْعِهِ مِنْ طَعَامِ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَوْ مَنَعَ إِنْسَانًا مِنْ طَعَامِ نَفْسِهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا ضَمِنَ دِيَتَهُ كَذَلِكَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ طَعَامٍ قَدْ صَارَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ دِيَتَهُ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَقْدِرَ الْمُضْطَرُّ عَلَى أَخْذِهِ إِلَّا بِقِتَالِهِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى طَعَامِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ مِمَّنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ مِنْهَا؟ :

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُ؛ لِيَصِلَ إِلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِطَعَامِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِتَالَ مُبَاحٌ لَهُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الطَّعَامِ لَا يَنْفَكُّ فِي الْأَغْلَبِ من دين أو عقل يبعثه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِحْيَاءِ الْمُضْطَرِّ بِمَالِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْكُولًا إِلَيْهِ، وَخَالَفَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>