قَبْلَ الْقَبْضِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، دُونَ اللَّازِمَةِ، وَالْعُقُودُ الْجَائِزَةُ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ، كَالْوِكَالَاتِ وَالشِّرْكِ وَالْجَعَالَاتِ وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ الَّتِي تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ مَا لَا يُفْضِي إِلَى اللُّزُومِ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ يُفْضِي إِلَى اللُّزُومِ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا تَعَاقَدَا الرَّهْنَ وَهُمَا رَشِيدَانِ ثُمَّ جُنَّ الْمُرْتَهِنُ فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنَ الرَّاهِنِ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ تَمَّ الرَّهْنُ، وَقَامَ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ وَهُوَ رَشِيدٌ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا يُمْنَعُ مِنْ قَبْضِ وَلِيِّ الْمُرْتَهِنِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ الرَّهْنَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مِنْهُمَا هُوَ الرَّاهِنَ فَأَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَتَوَلَّى إِقْبَاضَ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ الرَّهْنَ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَسْلِيمُهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ.
فَأَمَّا على مذهب الشافعي، فَيُعْتَبَرُ حَالُ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تَسْلِيمِهِ حَظٌّ لِلرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَبْطُلُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا، فَتَسْلِيمُهُ وَإِنْ صَحَّ الْعَقْدُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالْوَلِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ فِي تَسْلِيمِ الرَّهْنِ حَظٌّ لِلرَّاهِنِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فيه فضل وإن لم يسلم الرهن فسخه الْبَائِعُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَائِزٌ لِمَا يَعُودُ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْفَضْلِ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ.
فَأَمَّا صِفَةُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ، فَهُوَ مُجَامِعٌ لِلْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ مِنْ وَجْهٍ وَمُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ. فَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَامِعُهُ فِيهِ هُوَ قَبْلَ قَبْضِهِ الثَّمَنَ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُخَالِفُهُ فِيهِ هُوَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ بِإِقْبَاضٍ مِنَ الرَّاهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ.
فَأَمَّا صِفَةُ الْإِقْبَاضِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، فَإِقْبَاضُ الرَّاهِنِ لَهُ: أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَبْضِهِ وَيُسَلِّطَهُ عَلَيْهِ. وَقَبْضُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إِنْ كَانَ مَنْقُولًا، أَوْ يَتَصَرَّفَ فِي رَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ. وَتَصَرُّفُهُ فِي رَقَبَتِهِ: أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ يَدَ مَالِكِهِ، فَيَتِمُّ الْقَبْضُ هَاهُنَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute