للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْيَمِينِ، مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ يَضْعُفَانِ عَنْ حُكْمِ الرَّجُلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا يُقْبَلَانِ مَعَ الرَّجُلِ فِي الْأَمْوَالِ فَقَطْ وَيُقْبَلُ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَوِ انْضَافَ إِلَيْهِمَا مَثْلُهُمَا فِي الْأَمْوَالِ فَصِرْنَ أَرْبَعًا لَمْ يُحْكَمْ بِهِنَّ، وَيُحْكَمُ بِالرَّجُلِ، إِذَا انْضَافَ إِلَى الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَى من المرأتين، جاز أن تضاف اليمين إِلَى الْأَقْوَى، وَيُمْنَعُ مِنْهَا مَعَ الْأَضْعَفِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِيَمِينِ الْعَبْدِ، وَالْفَاسِقِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ بِالْيَمِينِ، لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ كَمَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَئِنْ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَصْرِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ، كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عِنْدَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْيَمِينِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَالشَّاهِدِ فَهُوَ أَنَّهَا مُقَوِّيَةٌ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ إِلَّا بَعْدَهَا، وَخَالَفَ حَالُ الشَّاهِدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما مقو بصاحبه.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَالَ عَمْرٌو وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْأَمْوَالِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مَالٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا فِي غَيْرِ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو مثل معناه (قال الشافعي) رحمه الله: والبينة في دلالة سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بينتان بينة كاملة هي بعدد شهود لا يحلف مقيمها معها وبينة ناقصة العدد في المال يحلف مقيمها معها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَمْوَالِ، وَمَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَالِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ حَدٍّ وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْكُمُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَلَمْ يَخُصَّ الْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ قَالَ: وَلِأَنَّ مَا كَانَ بَيِّنَةً فِي الْأَمْوَالِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيِّنَةً فِي الْحُدُودِ، كَالشَّاهِدَيْنِ، وَلِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي فِي النُّكُولِ، لَمَّا جَازَ أَنْ تُثْبَتَ بِهَا الْأَمْوَالُ، وَالْحُدُودُ جَازَ أَنْ يُحْكَمَ بِمِثْلِهِ فِي يَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ قَالَ الرَّاوِي: فِي الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا فِي مِثْلِ مَا قَضَى بِهِ، لِأَنَّ الْقَضَايَا فِي الْأَعْيَانِ لَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ، لِحُدُوثِهَا فِي مَخْصُوصٍ، وَقَدْ رَوَى الدارقطني

<<  <  ج: ص:  >  >>