للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ فَرْضُ الْإِجَابَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْوَلِيمَةِ وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ أَمْرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَيَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ فِيمَا عَدَا الْوُلَاةَ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُرْتَزِقًا لَمْ يَحْضُرْ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِمْ حَقَّهُمْ مِنْ زَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا غَيْرَ مُرْتَزِقٍ حَضَرَ وَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.

فَتَكُونُ الْإِجَابَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَرْضًا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُسْتَحَبَّةً يُكْرَهُ لَهُ تَرَكُهَا، وَلَا يَأْثَمُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ مُفَصَّلَةً بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فِي الِارْتِزَاقِ وَالتَّطَوُّعِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَدُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَإِنِ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَحْضُرْ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.

وَنَظَرَ فِي الْمُرْتَزَقِ فَإِنْ قَلَّ زَمَانُ حُضُورِهِ فِيهَا كَالْيَوْمِ أَوْ مَا قَارَبَهُ لَمْ يُلْزِمْهُ رَدَّ شَيْءٍ مِنْ رِزْقِهِ.

وَإِنْ طَالَ زَمَانُ حُضُورِهِ لَهَا وَأَقَلُّ زَمَانٍ طُولُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا رَدَّ مِنْ رِزْقِهِ بِقِسْطِ مَا أَخَلَّ بِنَظَرِهِ. وَإِنْ أُمِرَ بِالْحُضُورِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ دُونَ غَيْرِهَا نَظَرَ فَإِنْ كَانَ يَنْقَطِعُ بِهَا عَنِ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. أَوْ كَانَتْ تَكْثُرُ فَتُفْضِي إِلَى الْبِذْلَةِ امْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ وَلَمْ يُجِبْ تَوَفُّرًا عَلَى الْأَحْكَامِ وَحِفْظًا لِلْهَيْبَةِ.

وَإِنْ قَلَّتْ: وَلَمْ تَقْطَعْهُ عَنِ النَّظَرِ وَلَا أَفْضَتْ بِهِ إِلَى الْبِذْلَةِ حَضَرَهَا اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَاقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

فَإِنْ قَطَعَهُ عَنِ الْحُضُورِ عُذْرٌ فَذَكَرَهُ وَسَأَلَهُمُ التَّحْلِيلَ.

وَإِذَا أَجَابَ عَمَّ بِالْإِجَابَةِ كُلَّ دَاعٍ، وَإِذَا امْتَنَعَ عَمَّ بِالِامْتِنَاعِ كُلَّ دَاعٍ وَلَمْ يَخُصَّ بِالْإِجَابَةِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ لِظُهُورِ الْمُمَايَلَةِ فِيهِ وَتَوَجُّهِ الظِّنَّةِ إِلَيْهِ، وَالْأَوْلَى بِهِ عِنْدِي فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يَعُمَّ بِامْتِنَاعِهِ جَمِيعَ النَّاسِ، لِأَنَّ السَّرَائِرَ قَدْ خَبُثَتْ وَالظُّنُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ.

( [عِيَادَتُهُ الْمَرْضَى وَحُضُورُ الْجَنَائِزِ وَمَقْدَمِ الغائب] )

:

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِي مَقْدَمَ الْغَائِبِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَهَذِهِ قُرَبٌ يُنْدَبُ إِلَيْهَا جَمِيعُ النَّاسِ فَكَانَ الْوُلَاةُ فِيهَا كَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وطاعة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَطَلَبُ ثَوَابِهِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفٍ مِنْ مَخَارِفِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>