قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْإِجَارَاتِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُسَاقَاةِ، وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَعْمَلَ فِي نَخْلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ نَخْلِهِ عَلَى أَنَّ أُجْرَتَهُ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ لَمْ تُخْلَقْ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ مَا تَحْمِلُ وَأَنَّهَا رُبَّمَا لَمْ تَحْمِلْ وَالْأُجْرَةُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا مَعْلُومَةً فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَيْنًا مُشَاهَدَةً.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً فَقَدْ خُلِقَتْ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ بَادِيَةَ الصَّلَاحِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ شَرَطَ لَهُ جَمِيعَهَا أَوْ سَهْمًا شَائِعًا فِيهَا، لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ بَادِيَةِ الصَّلَاحِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُ جَمِيعَهَا فَيُنْظَرُ، فَإِنْ شَرَطَهُ فِيهِ الْقَطْعَ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنَ الثَّمَرَةِ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا الْقَطْعَ لَمْ يَجُزْ لِفَسَادِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْرُطَ لَهُ سَهْمًا شَائِعًا فِيهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ فَتَبْطُلَ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَطْعِ الْمُشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَجُوزُ، فَلِذَلِكَ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ، وَيُحْكَمُ لِلْعَامِلِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إِنْ عَمِلَ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وكل ما كان فيه مستزادٌ في التمر مِنْ إِصْلَاحِ الْمَاءِ وَطَرِيقِهِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ بِالنَّخْلِ وَنَحْوِهِ جَازَ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِلِ فَأَمَا شَدُّ الْحِظَارِ فَلَيْسَ فِيهِ مستزادٌ وَلَا صَلَاحٌ فِي الثَّمَرَةِ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ.
وَالثَّانِي: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالثَّالِثُ: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْلِ وَالثَّمَرَةِ.
وَالرَّابِعُ: مَا لَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ وَلَا النَّخْلِ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ فَمِثْلُ إِبَارِ النَّخْلِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَتَلْقِيحِ الثَّمَرَةِ وَلِقَاطِهَا رُطَبًا وَجِدَادِهَا تَمْرًا.
فَهَذَا الضَّرْبُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ. وَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قَسَمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ شرط وهو كل ما لاتحصل الثمرة إلا به كالتلقيح والإبار، وقسماً يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَهُوَ كُلُّ مَا فِيهِ مُسْتَزَادٌ لِلثَّمَرَةِ وَقَدْ تَصْلُحُ بِعَدَمِهِ، كَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَتَدْلِيَةِ الثَّمَرَةِ، وَقَسَمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كُلُّ مَا تَكَامَلَتِ الثَّمَرَةُ قَبْلَهُ كَاللِّقَاطِ وَالْجِدَادِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: