للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو هريرة رضي الله عنه لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَضَاعُ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ كَرِضَاعِ الصَّغِيرِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ أَرَضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ عَلَيْكِ، وَكَانَ سَالِمٌ كَبِيرًا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا إِذَا أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ أَحَدٌ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ بَنَاتِ إِخْوَتِهَا وَبَنَاتِ أَخَوَاتِهَا أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَصِيرُ بِهِنَّ مُحَرَّمًا، وَخَالَفَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِكَ قُلْنَ مَا نَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ إِلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: ٢٢٣] فَجُعِلَ تَمَامُ الرَّضَاعِ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّرًا بِحَوْلَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَحُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ هُوَ التَّحْرِيمُ.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ نَفْيًا لِتَحْرِيمِهِ لَا لِجَوَازِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ، يَعْنِي لا تحرم رَضَاعٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَانِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَمَا سَدَّ الْجَوْعَةَ وَالْكَبِيرُ لَا يَسُدُّ الرَّضَاعُ جَوْعَتَهُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ حُكْمٌ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ العظم وروى الرضاعة ما فتقت الأمعاء وأثبتت اللَّحْمَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الصَّغِيرِ، وَقَدْ مَضَى الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَالِمٍ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالرَّضَاعِ فِي الْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ تَحْرِيمِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُحَدَّدٌ بِحَوْلَيْنِ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِيَوْمٍ لَمْ يُحَرِّمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ إِنَّهُ يُحَرِّمُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِشَهْرٍ فَجَعَلَ زَمَانَهُ مُحَدَّدًا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>