للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَهْلَ عِبَارَةٌ عَنِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ، وَالدِّيَةُ تَكُونُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ فَكَذَلِكَ الْقَوَدُ.

وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ ابْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ، أَنْ يَنْحَجِزُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً " وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " لِيَنْحَجِزُوا " أَنْ يَتْرُكُوا يَعْنِي بِتَرْكِهِمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ قَوَدٍ وِدِيَةٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَرِثَ الدِّيَةَ وَرِثَ الْقَوَدَ كَالْعَصَبَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَرِثَهُ الْعَصَبَةُ وَرِثَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ.

فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] فَقَدْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الرَّجُلِ، لِأَنَّهَا تَلِيهِ وَإِنْ لَمْ تَلِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَنَاوَلَتْ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ لَخَرَجَ مِنْهُمُ الْأَبْنَاءُ وَالْإِخْوَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُبَاشَرَةُ الِاسْتِيفَاءِ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالنِّكَاحِ فِي وَضْعِهِ لِنَفْيِ الْعَارِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْقَوَدَ يُسْتَحَقُّ لِلتَّشَفِّي لَا لِنَفْيِ الْعَارِ، عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ لَا تُورَثُ إِنَّمَا تُسْتَفَادُ بِالنَّسَبِ، وَالْقَوَدُ مَوْرُوثٌ فَافْتَرَقَا.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ اخْتِصَاصِ الْقَوَدِ، مَنْ يَتَحَمَّلُ الْعَقْلَ فَاسِدٌ بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، وَالصِّغَارِ وَالْفُقَرَاءِ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَ الْقَوَدَ، وَلَا يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ كَذَلِكَ النِّسَاءُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوَدَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْقَتِيلِ من ثلاثة أحوال:

أَنْ يَكُونَ لَهُ وَرَثَةٌ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَ مَالِهِ فَلَهُمُ الْخِيَارُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا الْقَوَدُ، أَوِ الدِّيَةُ أَوِ الْعَفْوُ عَنْهُمَا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ بِحَالٍ فَالْإِمَامُ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِلْإِمَامِ الِاخْتِيَارُ فِي اعْتِبَارِ الْأَصْلَحِ مِنْ أَمْرَيْنِ: الْقَوَدِ، أَوِ الدِّيَةِ، وَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمَا كَالْوَرَثَةِ.

وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَ الْحَقَّ بِغَيْرِ بَدَلٍ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الوَرَثَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ تَرِكَتِهِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>