طَوَافَهُ وَأَعَادَ سَعْيَهُ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ إِكْمَالِ الطَّوَافِ فَلَوْ فَرَّقَ سَعْيَهُ فَسَعَى سَبْعًا فِي سَبْعَةِ أَوْقَاتٍ، فَإِنْ كَانَ تَفَرُّقًا قَرِيبًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فِي الطَّوَافِ فَفِي السَّعْيِ أَجْوَزُ، وَإِنْ قِيلَ فِي الطَّوَافِ لَا يَجُوزُ فَفِي جَوَازِهِ فِي السَّعْيِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ كَالطَّوَافِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ أَخَفُّ حَالًا مِنَ الطَّوَافِ لِجَوَازِهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، فَلَوْ سَعَى رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ سَعْيُهُ مَاشِيًا أَحَبَّ إِلَيْنَا وَرُكُوبُهُ فِي السَّعْيِ أيسر من ركوبه في الطواف.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ وَقَدْ فَرَغَ مِنَ الْعُمْرَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ الإحرام والطواف والسعي والحلاق رُكْنٌ وَالطَّوَافُ رُكْنٌ وَالسَّعْيُ رُكْنٌ وَفِي الْحِلَاقِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نُسُكٌ يُتَحَلَّلُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْبَيْتَ الحَرَامِ إنْ شَاءَ اللهُ آمِنينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) {الفتح: ٢٧) فَوَصَفَ نُسَكَهُمْ بِالْحِلَاقِ أَوِ التَّقْصِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ، وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بن حزم عن عمر عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَاللِّبَاسُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النَسَاءَ " وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، فَلَمَّا مَيَّزَهُ عَنِ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَجَعَلَ ثَوَابَ الْحَالِقِ أَكْثَرَ مِنْ ثواب المقصر على أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ بَعْدَ الْحَظْرِ فَثَبَتَ أَنَّهُ نُسُكٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِالظَّاهِرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ وَهُوَ أَقْيَسُ، لِقَوْلِهِ تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ) {البقرة: ١٩٦) فَحَظَرَ الْحَلْقَ وَجَعَلَ لِحَظْرِهِ غَايَةً وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ نُسُكًا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ بَعْدَ الْحَظْرِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) {المائدة: ٢) فَكَذَا الْأَمْرُ بالحق بَعْدَ تَقَدُّمِ حَظْرِهِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ فِي وَقْتِهِ نُسُكًا كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَيَنْعَكِسُ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مِنْ حَيْثُ كَانَ نُسُكًا فِي وَقْتِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الْفِدْيَةُ بِتَقَدُّمِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَلَمَّا كَانَ الْحَلْقُ مُوجِبًا لِلْفِدْيَةِ قَبْلَ وَقْتِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي وَقْتِهِ.
فَصْلٌ
: فإذا ثبت توجيه الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَلْقِ فَالْإِحْلَالُ مِنَ الْعُمْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ يُتَحَلَّلُ به فإذا طَافَ وَسَعَى كَانَ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَحْلِقَ أو يقصر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute