للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِيِ الشَّافِعِيِّ فِي زَكَاةِ الْمَالِ. هَلْ يَكُونُ مَصْرِفُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا؟ أَوْ مُسْتَحَبًّا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مُسْتَحَبٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَحْرُ نَذْرِهِ، وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهَا مُسْتَحَبًّا فِي بَلَدِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِمَا إِلَى غَيْرِهِ فَيَنْحَرُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَيُفَرِّقُ لَحْمَهُ فِي مَسَاكِينِ غَيْرِ بَلَدِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ فِي بَلَدِهِ مُسْتَحَقٌّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فِي مَسَاكِينِ بَلَدِهِ مُسْتَحَقًّا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَفِي وُجُوبِ نَحْرِهِ فِي بَلَدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ.

وَالثَّانِي: يستحب، وتعليلهما قد تقدم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وإذا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى موضعٍ مِنَ الْحَرَمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهِ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا سماه من مواضع لحرم مُخْتَصًّا بِنُسُكٍ، أَمْ لَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ إِلَّا إِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَوْ إِلَى مَكَّةَ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِذِكْرِ غَيْرِهَا مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ احْتِجَاجًا بِأَنَّ مَا عَدَاهُمَا مِنَ الْحَرَمِ، لَا يَلْزَمُ إِتْيَانُهُمَا شَرْعًا، فَلَمْ يَلْزَمْ إِتْيَانُهَا نَذْرًا كالحل، ودليلنا قول الله تعالى: {أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ لَهُ، فَانْعَقَدَ النَّذْرُ بِهِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُلْزِمُ جَزَاءَ صَيْدٍ، فَانْعَقَدَ النَّذْرُ بِقَصْدِهِ قِيَاسًا عَلَى مَكَّةَ، وَفَارَقَ الْحِلَّ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ الْحَرَمَ أَعَمُّ، فكان النذر به ألزم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ أَوْ نَمِرَةً أَوْ مِنًى أَوْ قَرِيبًا مِنَ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْحِلِّ، لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النَّذْرُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ كَعَرَفَةَ، وَالْمَوَاقِيتِ لِأَنَّهَا حِلٌّ لَا يُضْمَنُ صَيْدُهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ لَهَا، فَسَاوَتْ غَيْرَهَا مِنْ بِقَاعِ الْحِلِّ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ قَصْدُهَا مُقْتَرِنًا بِغَيْرِهَا مِنِ انْعِقَادِ النُّسُكِ، الَّذِي أَوْجَبَ قَصْدَهَا، وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ النَّذْرُ بِالْمَشْيِ إِلَى عَرَفَةَ، وَلِأَنَّ قَصْدَهَا يَجِبُ بِالشَّرْعِ، فَوَجَبَ النَّذْرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>