فَأَمَّا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ، فَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ قَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ مَوْتِهِ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَقَالَ قَوْمٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ قَوْمٌ: خَمْسًا، فَجَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُكَبِّرَ فِيهَا أَرْبَعًا، فَكَانَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مُزِيلًا لِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، وَلَيْسَ بَعْضُهُ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ يُبْطِلُ هَذَا الْمَذْهَبَ، فَهَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي أَعْدَادِ التَّكْبِيرِ، فَأَمَّا الْأَذْكَارُ فَيَأْتِي فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَرْبَعٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا، وَكَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَهَلْ يُسَلِّمُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سَلَامَهُ، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُسَلِّمُونَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُ مَا لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِمْ.
وَالثَّانِي: يَنْتَظِرُونَ فَرَاغَهُ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ، حَتَّى يَكُونَ خروجهم بخروجه.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " ويكبر المصلي على الميت ويرفع يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تُجْزِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا كَبَّرَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا غَيْرَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى: أَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَبَّ فِيهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ، كَالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَلِأَنَّ مَا سُنَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأَوْلَى سُنَّ فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ فِي الْقِيَامِ مِنْ سُنَنِهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ كَتَكْبِيرَاتِ العيدين.
قال الشافعي رضي الله عنه: " ثَمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَبْتَدِئُهَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute