للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، فَصَارَتْ شُبْهَةً فِي إِدْرَائِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَقْذُوفِ مَعَ يَمِينِهِ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ فِي الصِّحَّةِ، وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجًا فَيُلَاعِنُ، وَهَذَا قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ.

فَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ هو مخرج اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي قَطْعِ الْمَلْفُوفِ فِي ثَوْبٍ إِذَا ادَّعَى قَاطِعُهُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا.

وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: هُوَ مُخَرَّجٌ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي اللَّفْظِ إذا قذف وادعى أنه عبد.

والفرق بين أن يقر بالقذف من غير بينة ويدعي فيه ذهاب العقل فيقبل قولاً واحداً، وبين أن يدعيه بعد قيام البينة عليه فلا يقبل في أحد القولين، أن البينة قد تقررت بشهادة توجب الحد والإقرار له بتجرد عن دعوى تسقط الحد والحدود تدرأ بالشبهات بخلاف الحقوق والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُلَاعِنُ الْأَخْرَسُ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يُلَاعِنُ وَإِنْ طَلَّقَ وَبَاعَ بِإِيمَاءٍ أَوْ بِكِتَابٍ يُفْهَمُ جَازَ قَالَ وَأُصْمِتَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ فَقِيلَ لَهَا لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ فَرُفِعَ ذلك فرأيت أنه وَصِيَّةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْخَرَسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِعِلَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مَنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ مَوْجُودًا مَعَ الْوِلَادَةِ، فَهَذَا مُسْتَقِرٌّ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَيَكُونُ هَذَا الْأَخْرَسُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بأقواله معتبرا بها حال الإشارة، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ، وَلَا مَقْرُوءِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عَقْدٌ وَلَا قَذْفٌ وَلَا لِعَانٌ، وَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، مَقْرُوءَ الْكِتَابَةِ صَحَّتْ عُقُودُهُ اتِّفَاقًا.

وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ بِالْإِشَارَةِ وَلِعَانِهِ بِهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَذَفٌ وَلَا لِعَانٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ قَذْفِهِ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ كِنَايَةٌ. وَالْقَذْفُ لَا يَثْبُتُ بِالْكِنَايَاتِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِعَانَهُ لَا يَصِحُّ بِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالشَّهَادَةُ لَا تصح من الأخرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>