[كتاب الصيام]
أَمَّا الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ: فَهُوَ الْإِمْسَاكُ يُقَالُ صَامَ فُلَانٌ بِمَعْنَى أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً) {مريم: ٢٦) أَيْ: صَوْمًا وَسُكُوتًا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَنْ أكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيًّا) {مريم: ٢٦) وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِوَقْتِ الْهَاجِرَةِ، قَدْ صَامَ النَّهَارُ لِإِمْسَاكِ الشَّمْسِ فِيهِ عَنِ السَّيْرِ وَتَقُولُ خَيْلٌ صِيَامٌ بِمَعْنَى وَاقِفَةٌ، قَدْ أَمْسَكَتْ عَنِ السَّيْرِ قَالَ النَّابِغَةُ:
(خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غَيْرُ صائمةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلِكُ اللُّجُمَا)
وَقَالَ الْآخَرُ: {نَضْرِبُ الْهَامَ وَالدَّوَابِرَ مِنْهَا ... ثُمَّ صَامَتْ بِنَا الْجِيَادُ صِيَامًا)
أَيْ: قَامَتْ فَلَمْ تَنْبَعِثْ، ثُمَّ جَاءَ الشَّرْعُ فَقَرَّرَ الصَّوْمَ، إِمْسَاكًا مَخْصُوصًا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، فَانْتَقَلَ الصَّوْمُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ.
فَصْلٌ
: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الصِّيَامِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ) {البقرة: ١٨٣) الآية قوله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) {المجادلة: ٢١) أَيْ: فَرَضَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: {أيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) {البقرة: ١٨٤) فَلَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا زَمَانَ الصِّيَامِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمِنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) {البقرة: ١٨٥) فَعَيَّنَ زَمَانَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مُبْهَمًا، وَحَتَّمَ صِيَامَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْإِنْسَانُ فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ صِيَامِهِ، وَإِفْطَارِهِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) {البقرة: ١٨٤) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute