للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالسَّرِقَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْهِبَةِ كَالسَّرِقَةِ فِي الْحِرَابَةِ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ حَدَثَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ الْحَدُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ زَنَا بِأَمَةٍ ثُمَّ ابْتَاعَهَا أَوْ بحرة ثم تزوجها.

فأما الجواب عن قياسه عليه ولو مكلها قَبْلَ إِخْرَاجِهَا فَهُوَ أَنَّهُ مَلَكَهَا قَبْلَ وُجُوبِ الْقَطْعِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَ الْأَمَةَ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَدِّ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِ بَيْنَ ما طرأ وتقدم فهو انتفاضة بِخَرَابِ الْحِرْزِ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْقَطْعِ فَيَسْقُطُ مَعَهُ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ بِهَا اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ وُجُوبِهِ كَالْحُقُوقِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مُطَالِبٌ بها.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَإِنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ أَعْجَمِيًّا مِنْ حِرْزٍ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ لم يقطع) .

قال الماوردي: وهذا صحيح، وليس يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ إِذَا سُرِقَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حِرْزٍ أَوْ فِي غَيْرِ حِرْزٍ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ فِي حِرْزٍ وَحِرْزُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ داراً مُغْلَقَةِ الْبَابِ أَوْ مَعَ سَيِّدِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُمَيِّزًا، يُفَرِّقُ بَيْنَ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ، لِأَنَّ هَذَا يكون مخادعاً وَلَا يَكُونُ مَسْرُوقًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْقِلُ عَقْلَ الْمُمَيِّزِ، وَلَا يفرق بين أمر سيده وغيره فَالْقَطْعُ عَلَى سَارِقِهِ وَاجِبٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ إذا كان كبيراً لم يقطع بها إِذَا كَانَ صَغِيرًا كَالْحُرِّ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْلُوكٌ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقْطَعَ بِسَرِقَتِهِ كَالْبَهِيمَةِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْحُرُّ إِذَا سُرِقَ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُمَيِّزُ فَوَجَبَ أَنْ يُقْطَعَ سَارِقُهُ كَالْعَبْدِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا قُطِعَ بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْطَعَ بسرقة نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>