بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ مِنَ الطِّيبِ وَلُبْسِ الثياب
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَمِيصًا وَلَا عِمَامَةً وَلَا برنساً ولا خفين إلا أن يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كُلِّهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا أَرَادَ الْإِحْرَامَ خَالَفَ مَعْهُودَهُ فِي لُبْسِهِ فَسُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ، فَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: " لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَيَقْطَعْهُمَا، حَتَى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ". وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَالْأَقْبِيَةَ، وَالْخُفَّيْنِ، وَالسَّرَاوِيلَاتِ، أَوْ يَلْبَسُ ثَوْبًا فِيهِ وَرَسٌ، أَوْ زَعْفَرَانٌ ".
فإن قيل: فلما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَأَجَابَ بِمَا لَا يَلْبَسُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالِهِمْ.
قِيلَ: عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّائِلَ أَخْطَأَ فِي سُؤَالِهِ لِأَنَّ أَصْلَ اللِّبَاسِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ طَارِئٌ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عما كان ينبغي أن يسئل عَنْهُ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي سُؤَالِهِ، ويخبره حُكْمَ مَا جَهِلَهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ مَا يجوز له لبسه أكثر فما حُظِرَ عَلَيْهِ، وَفِي ذِكْرِ جَمِيعِهِ إِطَالَةٌ، فَذَكَرَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِبَاحَةِ مَا سِوَاهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَنَبَّهَ عَلَى الْجُبَّةِ، وَالدُّرَّاعَةِ، وَنَصَّ عَلَى السَّرَاوِيلِ، وَنَبَّهَ عَلَى التُّبَّانِ، وَنَصَّ عَلَى الْبُرْنُسِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ فِي رَأْسِهِ مَخِيطًا، وَلَا غَيْرَهُ مِنْ عِمَامَةٍ، أَوْ مِنْدِيلٍ، وَلَا ثَوْبٍ، وَلَا رِدَاءٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ فِي بَدَنِهِ مَا يلْبَسُ مَخِيطًا، كَالْقَمِيصِ، والجبة، والقباء، والصدرة،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute