للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصريح في لفظ المملك أَقْوَى مِنَ اعْتِبَارِهِ فِي لَفْظِ الْمُتَمَلِّكِ، وَعِنْدَ أبي حنيفة يَكُونُ النِّكَاحُ مُنْعَقِدًا عَلَى أَصْلِهِ.

[فصل]

فأما إذا ابتدأ الولي فقال: زوجت بِنْتِي عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ، فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ تَزَوَّجْتُهَا عَلَى هَذَا الصَّدَاقِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ حَتَّى يَعُودَ الْوَلِيُّ فَيَقُولُ: قَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لِأَنَّ قوله في الابتداء زوجته بِنْتِي لَيْسَ بِبَذْلٍ مِنْهُ وَلَا إِجَابَةً، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْبَارٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ جِهَةِ الولي إلا بالبذل إن كان مبتدئاً أو بالإيجاب إِنْ كَانَ مُجِيبًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْوَلِيُّ مِنَ الِاسْتِخْبَارِ غَيْرَ مؤثر في العقد، ويكون جواب الزوج طلباً فلذلك مَا افْتَقَرَ إِلَى إِيجَابِ الْوَلِيِّ، بِأَنْ يَعُودَ فيقول: قد زوجتك فيصير النكاح منعقد بِالطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ، وَهَكَذَا لَوِ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ، فَقَالَ للولي: زوجني بنتك فقال: قد زوجتكها لهم يَصِحُّ الْعَقْدُ، لِأَنَّ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الزَّوْجُ اسْتِخْبَارٌ، وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إلا بالطلب إن كان مبتدئاً، أَوْ بِالْقَبُولِ إِنْ كَانَ مُجِيبًا وَلَيْسَ اسْتِخْبَارُهُ طلباً ولا قبولاً، فإن عاد عَادَ الزَّوْجُ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ، فَهَذَا حُكْمُ الْعَقْدِ بِاللَّفْظِ الْمَاضِي فِي الْبَذْلِ وَالْقَبُولِ وَفِي الطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا عَقْدُهُ بِاللَّفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ فَمِثَالُهُ: أَنَّ بَذْلَ الْوَلِيِّ أَنْ يَقُولَ: أُزَوِّجُكَ بِنْتِي فَيَقُولُ الزَّوْجُ: أَتَزَوَّجُهَا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ وَلَا بِقَوْلِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَدٌ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُهَا صَارَ قَوْلُهُ طَلَبًا، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَلِيِّ وَعْدًا فَإِنْ عَادَ الْوَلِيُّ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَهَا صَحَّ الْعَقْدُ بِالطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ، وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ: أَتَزَوَّجُ بِنْتَكَ فَقَالَ الْوَلِيُّ: أُزَوِّجُكَهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَدٌ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَلَوْ كان الولي قال: قد زوجتكها صار قوله بَذْلًا فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ الْعَقْدُ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ، وَهَكَذَا إِنْ دَخَلَ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ فَقَالَ الولي: أأزوجك بنتي؟ أو قال: أأتزوج بِنْتَكَ؟ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ، لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لِلْوَعْدِ فَكَانَ أَضْعَفَ مِنْ مُجَرَّدِ الْوَعْدِ فَإِنْ تَعَقَّبَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا مَا يَكُونُ بَذْلًا أَوْ طَلَبًا رُوعِيَ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَبِ الْإِيجَابُ، وَفِي مُقَابَلَةِ الْبَذْلِ الْقَبُولُ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَمِثَالُهُ: إِنْ بَدَأَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجِ: تَزَوَّجْ بِنْتِي، فَيَقُولُ الزَّوْجُ: قَدْ تَزَوَّجْتُهَا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يَعُودَ الْوَلِيُّ فَيَقُولُ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا، وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي بِنْتَكَ، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَهَا صح العقد ولم يحتج الزوج أن يعيده فيه قَبُولًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْوَلِيُّ مَنْ لَفْظِ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحٌّ بِهِ الْعَقْدُ، وَبَيْنَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ، أَنَّ الْمُرَاعَى مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ الْبَذْلُ إِنِ ابْتَدَأَ، وَالْإِيجَابُ إِنْ أَجَابَ، وَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ بَذْلٌ وَلَا إِيجَابٌ فَلَمْ يَصِحَّ بِهِ الْعَقْدُ، وَالْمُرَاعَى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ الطَّلَبُ إِنِ ابْتَدَأَ، وَالْقَبُولُ إن أجاب، وأمره تضمن الطَّلَبَ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنِ الْقَبُولَ فَصَحَّ بِهِ العقد وتم بالطلب والإيجاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>