للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاقِلَتِهِ بِالشَّامِ، وَلِحَاكِمِ مَكَّةَ فِيمَا يُكَاتِبُ حَاكِمَ الشَّامِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ: أَنْ يَكْتُبَ بِهِ أَنْ يَقُولَ: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً مَضْمُونًا، فَيَذْكُرُ الْقَاتِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَقَبِيلَتِهِ، وَيَذْكُرُ الْمَقْتُولَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، لِاخْتِلَافِ الدِّيَةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ قَبِيلَةَ الْمَقْتُولِ وَإِنْ لَزِمَهُ أَنْ يَذْكُرَ قَبِيلَةَ الْقَاتِلِ لِتَوْجِيهِ الْحُكْمِ عَلَى قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ دُونَ الْمَقْتُولِ، فَيَكُونُ حَاكِمُ مَكَّةَ نَاقِلًا لِثُبُوتِ الْقَتْلِ الْمَضْمُونِ مِنَ الْقَاتِلِ لِلْمَقْتُولِ، وَيَخْتَصُّ حَاكِمُ الشَّامِ بِالْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَحْكُمُ بِفَضِّهَا عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، وَيَحْكُمُ بِاسْتِيفَائِهَا مِنْهُمْ عِنْدَ حُلُولِهَا عَلَيْهِمْ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ بِثُبُوتِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَيَحْكُمُ بِالدِّيَةِ فِيهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَهُمْ بَنُو فُلَانٍ إِشَارَةً إِلَى قَتِيلِهِمْ.

فإن قيل: فكيف نقضي عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَيْرُ حُضُورٍ وَلَا مُعَيَّنِينَ؟

قِيلَ: لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى عُمُومِ الْقَبِيلَةِ لَا عَلَى أَعْيَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا لِتَوَجُّهِ الْحُكْمِ إِلَى عُمُومِهِمْ دُونَ أَعْيَانِهِمْ، فَيَحْتَاجُ حَاكِمُ الشَّامِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَضِّهَا عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ وَيَحْكُمُ بِاسْتِيفَائِهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَاكِمِ مَكَّةَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ، وَلَا يَسَعُ حَاكِمُ مَكَّةَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا فِي فَضِّهَا وَاسْتِيفَائِهَا؛ لأن أعيان من تقضى عَلَيْهِ وَتُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا عِنْدَ الْحُلُولِ وَالِاسْتِيفَاءِ لِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ فِي الْإِيسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلَكِنْ يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ: وَحَكَمْتُ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ مِنْهُمْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَعَلَى كُلِّ مُقِلٍّ بِرُبُعِ دِينَارٍ، فَيَقْطَعُ اجْتِهَادَ حَاكِمِ الشَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مَوْقُوفًا عَلَى حَاكِمِ الشَّامِ لِيَحْكُمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ عَاقِلَتِهِ حُضُورًا بِمَكَّةَ وَبَعْضُهُمْ غُيَّبًا بِالشَّامِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُونَ نَسَبًا حُضُورًا بِمَكَّةَ وَالْأَبْعَدُونَ نَسَبًا غُيَّبًا بِالشَّامِ فَيَفُضُّهَا حَاكِمُ مَكَّةَ عَلَى الْأَقْرَبِينَ بِمَكَّةَ، فَإِنِ احْتَمَلُوهَا خَرَجَ مِنْهَا الْأَبْعَدُونَ بِالشَّامِ لِاخْتِصَاصِ مَنْ حَضَرَ بِقُرْبِ الدَّارِ وَقُرْبِ النَّسَبِ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا كَتَبَ حَاكِمُ مَكَّةَ بِالْبَاقِي مِنْهَا إِلَى حَاكِمِ الشَّامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مِنَ الْأَبَاعِدِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْأَبْعَدُونَ نَسَبًا حُضُورًا بِمَكَّةَ وَالْأَقْرَبُونَ نَسَبًا غَيْبًا بِالشَّامِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أحدهما: أنها تقضي عَلَى الْأَقْرَبِينَ نَسَبًا بِالشَّامِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالنَّسَبِ الَّذِي يستحق

<<  <  ج: ص:  >  >>