للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْلُوَ مَجْلِسُ حُكْمِهِ مِنْ شُهُودٍ وَفُقَهَاءٍ: أَمَّا الشُّهُودُ فَلْيَشْهَدُوا مَا جَرَى فِيهِ مِنْ إِقْرَارٍ وَمَا نَفَذَ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ. وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَلْيَرْجِعَ إِلَيْهِمْ وَيُشَاوِرَهُمْ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَلِيُنَبِّهُوهُ عَلَى زَلَلٍ إِنْ كَانَ مِنْهُ، وَلَا يَرُدُّوا عَلَيْهِ مَا يُخَالِفُونَهُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَيَمْنَعُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْخَصْمِ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لَهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَقْعَدِهِمَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا وَكَلَامِهِ لَهُمَا وَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِتَرْتِيبٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا كَلَامٍ كَتَبَ عُمَرُ فِي عَهْدِهِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَلَى قَضَاءِ الْبَصْرَةِ: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف مِنْ عَدْلِكَ فَأَمَرَهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي وَجْهِهِ وَعَدْلِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَلْيَكُنْ جُلُوسُ الْخُصُومِ بَيْنَ يَدَيْهِ جُثَاةً عَلَى الرُّكَبِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ جُلُوسِ غَيْرِ الْخُصُومِ فَيَكُونُ أَجْمَعَ لِلْهَيْبَةِ.

وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْخَصْمِ مَقْصُورًا عَلَى الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَكَلَامُ الْقَاضِي مَقْصُورًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَالْحُكْمِ.

وَحُضُورُ الْخُصُومِ فِي الْمُحَاكَمَةِ يُسْقِطُ عَنْهُمْ سُنَّةَ السَّلَامِ. فَإِنْ سَلَّمَا جَمِيعًا رَدَّ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا.

وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي فَرْضِ رَدِّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَالِ.

وَالثَّانِي: يَرُدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَرُدَّهُ فِي الْحَالِ عَلَيْهِمَا مَعًا.

وَمَنَعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الرَّدِّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْخَصْمَ أَوْقَعَ السَّلَامَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ والله أعلم.

[(فصل: [لدد الخصوم] )]

:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ آدَابِ مَجْلِسِهِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ فَكَانَ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لَدَدٌ وَفِي اللَّدَدِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: ٢٠٤] وَهَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ الِالْتِوَاءُ عَنِ الْحَقِّ وَمِنْهُ أُخِذَ لَدُودُ الْفَمِ، لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْفَمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>