للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَلَّبَ عَلَيْهِ وَتَعَصَّبَ فِيهِ كَانَ جَرْحًا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْبُغْضَ إِلَى مَا سِوَاهُ كَانَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ حَمَى نَفْسَهُ مِنْ نَتَائِجِ الْبُغْضِ.

فَأَمَّا إِنْ كَانَ بُغْضُهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْبَهُ. وَإِنْ كَانَ عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَبْغَضُ النَّاسَ وَيَبْغَضُونَهُ " فَيَكُونُ ذَلِكَ جَرْحًا فِيهِ، فَتُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الْأُلْفَةِ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنَ التَّقَاطُعِ.

( [الْقَوْلُ فِي الْعَدَاوَةِ] )

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي الْعَدَاوَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ، أَنَّ الْبُغْضَ بِالْقَلْبِ، وَالْعَدَاوَةَ بِالْعَمَلِ، وَمَعَ كُلِّ عَدَاوَةٍ بُغْضٌ وَلَيْسَ مَعَ كُلِّ بُغْضٍ عَدَاوَةٌ، فَصَارَتِ الْعَدَاوَةُ أَغْلَظَ مِنَ الْبُغْضِ، فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: مُسْتَحَبَّةٌ، وَمُبَاحَةٌ، وَمَكْرُوهَةٌ.

فَأَمَّا الْمُسْتَحَبَّةُ: فَهِيَ فِي الدِّينِ، لِمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ تَعَرَّضَ لمعاصيه. وهذا غضب لله تعالى في حقوق أوامر وَنَوَاهِيهِ، فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْعَدَاوَةِ إِلَى نُصْرَةِ الدِّينِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي عَدَالَتِهِ وَأَوْلَى بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، لِأَنَّ مَنْ غَضِبَ لِلَّهِ فِي مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ، كَانَ بِدَفْعِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْمُبَاحَةُ: فَهِيَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إِذَا بدىء بِالْعَدَاوَةِ فَقَابَلَ عَلَيْهَا بِمَا لَمْ يَتَجَاوَزْ فِيهِ حُكْمَ الشَّرْعِ، فَهُوَ مُسْتَوْفٍ لِحَقِّهِ مِنْهُ. غَيْرُ قَادِحٍ فِي عَدَالَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] .

وَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَّا قَبُولُهَا عَلَى عَدْوِّهِ فَمُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِ بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ فَإِنْ سَكَنَ بَعْدَ نُفُورِهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى نُفُورِهِ ردت.

وأما المكروهة: فهو أن يبتدىء بِهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبِ " بِوُجُوبِهَا "، فَيَكُونُ بِهَا مُتَجَوِّزًا، فَإِنْ قَرْنَهَا بِفُحْشٍ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَارَ بِهَا مَجْرُوحًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ. لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ فُحْشٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، عَلَى غَيْرِهِ وَمَرْدُودُ الشَّهَادَةِ عَلَى عَدُوِّهِ وَمَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لِعَدُّوِهِ.

( [القول في حكم الشعر] )

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ وفضله على الكلام أنه سائر وإذا كان الشاعر لا يعرف بشتم الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>