للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب استبراء أم الولد من كتابين امرأة المفقود وعدتها إذا نكحت غيره وغير ذلك)]

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ لَزِمَهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ، وَالْأَمَةُ الْمُشْتَرَاةُ وَالْحُرَّةُ الْمُسْتَرَقَّةُ بِالسَّبْيِ فَيَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَمَةِ والمسبية أنهما يستبرئا نفسهما بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَخَالَفَ فِي الْمُدَبَّرَةِ فَقَالَ: لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، وَخَالَفَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالُ: تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أُمُّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَالْحُرَّةِ.

فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ بِمَا رُوِيَ أَنَّ مَارِيَةَ اعْتَدَّتْ لِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَهِيَ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، قَالَ وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ وَجَبَتْ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.

قَالَ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي طَرَفَيْ عِدَّتِهَا حُرَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِدَّتُهَا عِدَّةَ حُرَّةٍ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فَجَعَلَ الْأَقْرَاءَ الثَّلَاثَةَ عِدَّةَ مَنْ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَاتِ دُونَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ عَنْ مِلْكٍ فَوَجَبَ أَنْ تَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى قُرْءٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ، وَلِأَنَّ ذَوَاتَ الْأَعْدَادِ مِنَ الْعِدَدِ لَا يَجِبُ اسْتِيفَاءُ عَدَدِهَا عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ وَجَبَتْ عن انتقال رق وَحُرِّيَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ كَامِلَةً كَالْمَسْبِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَسْبِيَّةَ كَانَتْ حُرَّةً فَرُقَّتْ كَالسَّبْيِ، وَهَذِهِ كَانَتْ أَمَةً فَعَتَقَتْ بِالْمَوْتِ وَالْجَمِيعُ انْتِقَالُ عِتْقٍ وَحُرِّيَّةٍ، وَلِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَمَّا انْتَفَى عَنْهَا أحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>