لِلْمُكَاتَبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَبِيهِ لِعَبْدِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصَّ مِنْهُ بِعَبْدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ أَبَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ وَالِدٍ بِوَلَدٍ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ابْنَ الْمُكَاتَبِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ ابْنِهِ بِعَبْدِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ ابْنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ وَلَدٍ بِوَالِدٍ.
فَأَمَّا إِنْ عَفَا الْمُكَاتَبُ عَنِ الْقِصَاصِ صَارَتِ الدِّيَةُ هَدَرًا كَالْخَطَأِ، فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، وَعَادَ عَبْدًا قَبْلَ الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ، فَلِلسَّيِّدِ مِنَ الْقِصَاصِ مَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ يَقْتَصُّ مِمَّنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بِغَيْرِ أَدَاءٍ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوِ الْجِنَايَةِ وَلَوْ كَانَ أَدَّى فَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجَزْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مِنْ كَسْبِهِ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ يَمْنَعُ مِنْ جواز بيعه، وله ثلاثة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُؤَدِّيَ مَالَ الْكِتَابَةِ وَيُعْتَقَ بِهِ، فَيَنْتَقِلَ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ مِنْ رَقَبَتِهِ إِلَى ذِمَّتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لِرِقِّهِ بِالْأَدَاءِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا اسْتَهْلَكَ وَيَكُونُ ضَامِنًا لَأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهَا طَرَأَتْ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعَجِّلَ السَّيِّدُ عِتْقَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَيَكُونَ السَّيِّدُ هُوَ الضَّامِنُ لِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ الْكِتَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ على الجناية، فصار مستحدثاً لاستهلاك رقبيه فَلِذَلِكَ ضَمِنَ جِنَايَتَهُ، وَوَجَبَ فِيهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا الْمُكَاتَبُ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْجِزَ وَيَرِقَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ بِابْتِدَائِهَا فِي مَالِ كِتَابَتِهِ أَوْ بِانْتِهَائِهَا بَعْدَ رِقِّهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِابْتِدَائِهَا فِي الْكِتَابَةِ، فَعَلَى هَذَا يَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ.