بَابُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ وَمَا لَا يجوز
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " مَا لَا يَمْلِكُهُ أحدُ مِنَ النَّاسِ يُعْرَفُ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا مَا مَضَى وَلَا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِمَا يَسْتَحْدِثُهُ فِيهِ وَالثَّانِي مَا لَا تُطْلَبُ المنفعة فيه إلا بشيءٍ يجعل فيه غيره وَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالتِّبْرِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ مِنَ الْأَرْضِ ضَرْبَانِ مَعَادِنُ وَمَوَاتٌ، فَأَمَّا الْمَوَاتُ فَقَدِ انْقَضَى حُكْمُهُ، وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَوَاهِرَ الْأَرْضِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِإِقَامَةِ الْجَوَاهِرِ فيها كما قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أَيْ جَنَّاتِ إِقَامَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِي نَقْلِهِ حِينَ نَقَلَ فَقَالَ مَا لَا يطلب المنفعة فيه إلا بشيء يجعل فيه غيره وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَوَاتِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ غَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، فَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَهِيَ الَّتِي بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا لَا بِشَيْءٍ يُجْعَلُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ غَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَخْلُوقَةٌ فِيهِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَصْلُ الْمَعَادِنِ صِنْفَانِ مَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْمِلْحِ فِي الْجِبَالِ تَنْتَابُهُ النَّاسُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لأحدٍ أَنْ يَقْطَعَهُ بحالٍ وَالنَّاسُ فِيهِ شرعٌ وَهَكَذَا النَّهْرُ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ وَالنَّبَاتُ فِيمَا لَا يُمْلَكُ لأحدٍ وَقَدْ سَأَلَ الْأَبْيَضُ بْنُ حمالٍ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُقْطِعَهُ مِلْحَ مأربٍ فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُ أَوْ أَرَادَهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ كَالْمَاءِ الْعَدِّ فَقَالَ " فَلَا إِذَنْ " قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كُلُّ عينٍ ظاهرةً كنفطٍ أو قبرٍ أَوْ كبريتٍ أَوْ مُومِيَا أَوْ حجارةٍ ظاهرةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِ أحدٍ فَهُوَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّاسُ فِيهِ سواءُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَالْمَعَادِنُ ضَرْبَانِ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَيَأْتِي حُكْمُهَا فِيمَا بَعْدُ، وَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ ظَاهِرًا فِي مَعْدِنِهِ يُؤْخَذُ عَفْوًا عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ كَالْمِلْحِ وَالنِّفْطِ، وَالْقَارِ وَالْكِبْرِيتِ والموهبا وَالْحِجَارَةِ فَهَذِهِ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَلَا لأحدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا شَرْعٌ يَتَسَاوُونَ فِيهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ، مُسَلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، رَوَى ثَابِتُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِلْحَ مَأْرِبٍ فَأَقْطَعَهُ ثُمَّ إِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute