للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ:)

فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَصَبْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا بَعْدَ الْوَقْفِ طُلِّقَتْ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ كَانَ مُولِيًا مَتَى أَصَابَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْإِطْلَاقِ كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ قِيلَ لَا يُوجِبُهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَقَالَ: نَوَيْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ إِنْ أَصَبْتُهَا فَنِيَّتُهُ قَدْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَالِ، وَنِيَّتُهُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ إِنْ أَصَابَهَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْكَفَّارَةِ إِلَى الْإِصَابَةِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ يَدِينُ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ مِمَّا يَدِينُ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ اعْتَرَفَ بِالْإِيلَاءِ وَفِيهِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ بِذَلِكَ مُولِيًا، وَوَجَدْتُ أَصْحَابَنَا يُرْسِلُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا عللنا والله أعلم بالصواب.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ إِنْ قَرَبْتُكِ فَغُلَامِي حُرٌ عَنْ ظِهَارِي إِنْ تَظَاهَرْتُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يظاهر) .

قال المارودي: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا قَالَ: إِنْ أَصَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حَرٌّ عَنْ ظِهَارِي إِنْ تَظَاهَرْتُ فَقَدْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطَيْنِ: بِإِصَابَتِهَا، وَبِظِهَارِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ حَتَّى يُوجَدَا مَعًا، فَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَتَظَاهَرْ لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ ظَاهَرَ وَوَطِئَ عَتِقَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِصَابَتِهَا وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ كَمَا لَوْ قال لها: إن وطتئك وَدَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُولِيًا فِي الْحَالِ نُظِرَ، فَإِنْ قَدَّمَ الْوَطْءَ عَلَى الظِّهَارِ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَبَقِيَ حُكْمُ الْيَمِينِ، فَإِذَا ظَاهَرَ عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِتَقْدِيمِ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِصَابَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَعْتِقُ بِهِ عَبْدُهُ لِأَنَّ عِتْقَ عَبْدِهِ يَكُونُ بِظِهَارِهِ مِنْ بَعْدُ لَا بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ قَدَّمَ الظِّهَارَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ صَارَ حِينَئِذٍ مُولِيًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرْطِ الْعِتْقِ إِلَّا إِصَابَتُهَا فَصَارَتِ الْإِصَابَةُ مُوجِبَةً عِتْقَ عَبْدِهِ فَلِذَلِكَ صَارَ مُولِيًا.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا إِذَا قَدَّمَ الْإِصَابَةَ وَيَكُونَ مُولِيًا إِذَا قَدَّمَ الظِّهَارَ، وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ لِإِيلَائِهِ هَذَا، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ وَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَبْقِيَهُ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنِ اسْتَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ كَانَ إِيلَاؤُهُ بَاقِيًا إِنْ رَاجَعَ بَعْدَ طَلَاقِهِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ عِتْقُهُ عَنِ الظِّهَارِ، وَيَسْقُطُ إِيلَاؤُهُ وَإِنْ رَاجَعَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَعْتِقُهُ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فَهَذَا حُكْمُهُ إِنْ طَلَّقَ فِي هَذَا الْإِيلَاءِ فَأَمَّا إِنْ فَاءَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَسَقَطَ إِيلَاؤُهُ لِحِنْثِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ الْعِتْقُ عَنْ ظُهَارِهِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>