(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْقَتِيلِ لَيْسَ بِلَوْثٍ وَأَنَّ مَا كَانَ فِي مِثْلِ قِصَّةِ الْأَنْصَارِ لَوْثٌ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مِثْلِهَا شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الَّتِي وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهَا مُخْتَصَّةً بِأَهْلِهَا لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ. كَاخْتِصَاصِ الْيَهُودِ بِخَيْبَرَ. وَفِي حُكْمِ الْقَرْيَةِ مَحَلَّةٍ مِنْ بَلَدٍ فِي جَانِبٍ مِنْهُ لَا يَشْرَكُ أَهْلُهَا فِيهَا غَيْرَهُمْ. أَوْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ لَا يَشْرَكُهُمْ فِي الْحَيِّ غَيْرُهُمْ فَإِنِ اخْتَلَطَ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَوِ الْمَحَلَّةِ أَوِ الْحَيِّ غَيْرُهُمْ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا مَعَ أَهْلِهَا.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، إِمَّا فِي دِينٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ تِرَةٍ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ الِانْفِرَادُ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَظُهُورُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ صَارَ هَذَا لَوْثًا وَهُوَ نَصُّ السُّنَّةِ وَمَا عَدَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ نَفَرٌ بَيْتًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ اللَّوْثَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَدْخُلَ جَمَاعَةٌ بَيْتًا أَوْ دارً أَوْ بُسْتَانًا مَحْظُورًا يَتَفَرَّدُونَ فِيهِ. إِمَّا فِي منافرة أو في موانسة ثُمَّ يَفْتَرِقُونَ عَنْ قَتِيلٍ فِيهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَوْثًا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ. أَوْ لم يكن بخلاف القرية لأن ما انفردوا فِيهِ مِنَ الدَّارِ أَوِ الْبُسْتَانِ مَمْنُوعٌ مَنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ وَلَيْسَتِ الْقَرْيَةُ مَمْنُوعَةً مَنْ مَارٍّ وَطَارِقٍ فَاعْتُبِرَ فِي الْقَرْيَةِ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الدَّارِ ظُهُورُ العداوة لعدم الاحتمال.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " أَوْ صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ مِنَ اللَّوْثِ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ إِلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخْتَضِبٌ بِدَمِهِ فِي مَقَامِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ إِلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ يُرِيدُ عَيْنَ إِنْسَانٍ أَوْ عَيْنَ حَيَوَانٍ يَقْتُلُ الْإِنْسَانَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَا أَثَرَ فِي الصَّحْرَاءِ لِهَارِبٍ) يَعْنِي مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ قَاتِلٍ وَيَكُونُ هَذَا الْحَاضِرُ إِمَّا وَاقِفًا عَلَيْهِ وَإِمَّا مُوَلِّيًا لَمْ يَبْعُدْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ آثَارُ قَتْلِهِ مِنِ اخْتِضَابِهِ بِدَمِهِ أَوِ اخْتِضَابِ سَيْفِهِ فَيَصِيرُ بِهِ لَوْثًا فِيهِ إِنِ اسْتُكْمِلَتْ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الصَّحْرَاءُ خَالِيَةً مِنْ عَيْنِ إِنْسَانٍ أَوْ سَبُعٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الصَّحْرَاءِ أَثَرٌ لِهَارِبٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ طَرِيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute