فَالْمُرَادُ بِهِ نَحْوُهُ، وَمَنْ صَلَّى فِي الْبَيْتِ فَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَيْتِ، لِأَنَّ حَائِطَ الْبَيْتِ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ وَصُهَيْبٍ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنِ اسْتَقْبَلَ الْبَابَ فَمَذْهَبُنَا إِنْ كَانَ لِلْبَابِ عَتَبَةٌ وَاسْتَقْبَلَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَتَبَةٌ أَوْ كَانَتْ فَلَمْ يَسْتَقْبِلْهَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ فِي صَلَاتِهِ، فَلَوْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا فَصَلَّى إِلَيْهِ جَازَ، لِأَنَّ الْبَابَ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَيْتِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُغْلَقًا، وَالْآخَرُ مَفْتُوحًا فَإِنْ صَلَّى إِلَى الْمُغْلَقِ جَازَ، وَإِنْ صَلَّى إِلَى الْمَفْتُوحِ لَمْ يَجُزْ
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَعَلَى ظَهْرِهَا إِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْبِنَاءِ مَا يَكُونُ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يُصَلِّ إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنَ الْبَيْتِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْفَضَاءِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ يَسْتَقْبِلُهَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ شَيْءٍ مِنَ الْبَيْتِ، وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُسْتَقْبِلًا لِشَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ رَوَى دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَجْزَرَةِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الإبل، وفوق ظهر بيت الله تعالى
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ سُتْرَةٌ يَسْتَقْبِلُهَا فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً مُتَّصِلَةً بِالْجُدْرَانِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ وَلَا مُتَّصِلَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْجَارٌ مُجْتَمِعَةٌ، أَوْ خَشَبٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ مَا تَجَاوَزَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ بُنْيَانَ الْبَيْتِ
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ السُّتْرَةُ مَغْرُوسَةً كَخَشَبَةٍ قَدْ غَرَسَهَا، أَوْ رُمْحٍ قَدْ رَكَزَهُ فَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: جَائِزَةٌ كَالْبِنَاءِ
وَالثَّانِي: بَاطِلَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ مَا لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ
(فَصْلٌ)
: فَلَوِ انْهَدَمَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ بناء الكعبة، استحب أَنْ يُنْصَبَ فِي مَوْضِعِهِ خَشَبٌ وَيُطْرَحَ عَلَيْهِ أَنْطَاعٌ لِيَسْتَقْبِلَهُ النَّاسُ فِي صَلَاتِهِمْ كَمَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ مَكَانَ الْكَعْبَةِ وَتُجْزِئُهُمُ الصَّلَاةُ.