وإن استرق مالك المال: فالاستراقاق يُزِيلُ الْمِلْكَ كَالْمَوْتِ، فَفِي الْمَالِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُغْنَمُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ مَوْقُوفًا لَا يَنْتَقِلُ إِلَى وَارِثِهِ، لِأَنَّهُ حَيٌّ، وَلَا إِلَى مُسْتَرِقِّهِ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ، وَرُوعِيَتْ حَالُهَ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ.
فَإِنْ عُتِقَ: دُفِعَ الْمَالُ إِلَيْهِ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ.
وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا: فَفِي مَالِهِ قَوْلَانِ - حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ -
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَغْنُومًا لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا، وَلَا يَكُونُ مَوْرُوثًا، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُورَثُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي حُرِّيَّتِهِ فَانْتَقَلَ إِلَى وَرَثَتِهِ بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى جَرَى عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنِ ارْتَدَّ سَكْرَانُ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَلَا يُقْتَلُ إِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى يَمْتَنِعَ مُفِيقًا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) قُلْتُ إِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى طَلَاقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: تصح ردة السكران وإسلامه كما يصح عنقه وَطَلَاقُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا إِسْلَامُهُ، وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ وَطَلَاقُهُ.
احْتِجَاجًا: بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْكُفْرَ يَتَعَلَّقَانِ بِالِاعْتِقَادِ الْمُخْتَصِّ بِالْقَلْبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] .
وَلَيْسَ يَصِحُّ مِنَ السَّكْرَانِ اعْتِقَادٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ كُفْرٌ وَإِيمَانٌ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا.
قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَا عَقْلَ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ رِدَّتُهُ وَلَا إِسْلَامُهُ كَالْمَجْنُونِ.
وَدَلِيلُنَا: مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - مِنْ تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَقَالَ: أَرَى النَّاسَ قَدْ تَهَافَتُوا وَاسْتَهَانُوا بِحَدِّهِ فَمَاذَا تَرَوْنَ؟
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب - عليه السلام -: أَرَى أَنْ يُحَدَّ ثَمَانِينَ، لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَيُحَدُّ حَدَّ الْمُفْتَرِي.
فَوَافَقَهُ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى هَذَا، وَحَدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي ثمانين.