للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْحَاجَةُ دَعَتْهُ إِلَيْهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَيْشِ وَاخْتِلَافِ الثُّغُورِ لِيَحْفَظَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَا تَنْحَفِظُ بِغَيْرِهِ:

أَحَدُهَا: حِفْظُ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ.

وَالثَّانِي: حِفْظُ أَرْزَاقِهِمْ وَأَوْقَاتِ عَطَائِهِمْ.

وَالثَّالِثُ: تَرْتِيبُهُمْ بِالنَّسَبِ وَالسَّابِقَةِ فِي إِسْلَامِهِمْ وَبِأَنْفُسِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ فِي الدِّينِ وَمُسْتَحْسَنٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ الله سيء " فَهَذَا وَجْهٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ فَعَلَ مَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى وَضْعِ الدِّيوَانِ وَإِنْ أَخَّرَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ مَعَ اجْتِمَاعِ الْجَيْشِ وَقِلَّتِهِمْ كَالَّذِي فَعَلَهُ مِنْ تَعْرِيفِ الْعُرَفَاءِ وَاخْتِيَارِ النُّقَبَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَالنِّدَاءِ، فَتَمَّمَ عُمَرُ بِوَضْعِ الدِّيوَانِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنِ مُقَدِّمَاتِهِ حِينَ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا ولا مبتدعا، وبالله التوفيق.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَأُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ (قال الشافعي) رحمه الله وأخبرني غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض وقد زاد بعضهم على بعض أن عمر رضي الله عنه لما دون الديوان قال أبدأ ببني هاشم ثم قال حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعطيهم وبني المطلب فإذا كَانَتِ السِّنُّ فِي الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْمُطَّلِبِيِّ وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُطَّلِبِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ فوضع الديوان عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ استوت له بنو عبد شمس ونوفل في قدم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا ببني نوفل يلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم هم حلف من الفضول وفيهم كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار ثم دعا بني عبد الدار يلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلوا عبد الدار ثم استوت له تيم ومخزوم فقال في تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقيل ذكر سابقة وقيل ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل ابدأ بعدي فَقَالَ بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْتُ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ دَخَلَ وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ ولكن انظروا بين جمح وسهم فقيل قَدَّمَ بَنِي جُمَحَ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ وكان ديوانه عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إِلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>