للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمُتَطَلِّعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقوله للرجل: " لو أعلم أنك تنظرني لطعنت بها فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ) فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ لِتَغْلِيظِ حرمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى حُرْمَةِ سَائِرِ أُمَّتِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشَرْعٍ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بتعليله كقوله: " إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ) وَقَدْ رُوِيَ بِمَا هُوَ عَامُّ الْحُكْمِ لَا يَدْخُلُهُ احْتِمَالٌ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: لو أن امرءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ) وَهَذَا نَصٌّ، فَإِنْ قيل: فهذا خبر واحد مخالف الْأُصُولَ، فَلَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهِ.

قِيلَ: الْأُصُولُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النُّصُوصِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ بِهَا النَّصُّ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُلْحَقُ بِأَصْلٍ فِي هَدْرِ أَسْنَانِ الْعَاضِّ بِابْتِدَاءِ نَزْعِ الْيَدِ مِنْ فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " من اطلع من صيرة بَابٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فَهِيَ هَدَرٌ) .

قَالَ أَبُو عبيد: الصير الشق.

فأما توجيه الْأَوَّلِ بِأَنَّ دَاخِلَ الدَّارِ لَا يُبْتَدَأُ بِفَقْءِ عَيْنِهِ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي جَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِفَقْئِهَا وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ حَالًا مِنَ الْمُتَطَلِّعِ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَقَطَ الْحُكْمُ في تفضيل الأعضاء كالجنايات يلزم فيها دية لأعضاء إذا فضلت وَلَا يَلْزَمُ فِي الْقَتْلِ دِيَاتُهَا وَإِنْ بَطَلَتْ.

(فَصْلٌ)

وَإِنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَسْتُرُ أَبْصَارَ الْمَارَّةِ كَالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَالْكُوَّةِ الْوَاسِعَةِ وَالشُّبَّاكِ الْوَاسِعِ الْأَعْيُنِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى اجْتِيَازِهِ مَارًّا، لَا يقف عليه، فلا إنكار عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>