للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوِلَايَةَ يَسْتَحِقُّهَا الْأَقْرَبُ دُونَ الأبعد فكان الأقرب مفقوداً أو غائباً لم ينتقل الولاية عنه إلى ما هُوَ أَبْعَدُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَفْقُودًا انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى مَنْ هُوَ أبعد وإن كان غائباً معروف المكان وإن كانت غيبته منقطعة انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى الْأَبْعَدِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ لَمْ تَنْتَقِلْ.

قَالَ محمد بن الحسن: وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ مِنَ " الْكُوفَةِ " إِلَى " الرِّقَّةِ " وَغَيْرُ الْمُنْقَطِعَةِ مِنَ " الْكُوفَةِ " إِلَى " بَغْدَادَ ".

وَاسْتَدَلَّ عَلَى انتقالها بالغيبة إلى الأبعد بأنه قد يتعذر منه تزويجها بالغيبة كما لا يتعذر منه بالجنون، والرق، فلما انتقلت بِجُنُونِهِ وَرِقِّهِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ بِغَيْبَتِهِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأنها ولاية لا تنتقل بغيبة منقطعة كَالْوِلَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَلِأَنَّهَا غيبة لا ينقطع بها ولاء المال فوجب أن لا تنتقل بِهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ كَالْغَيْبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُنْقَطِعَةً، وَلِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تُزِيلُ وِلَايَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا فِي غَيْبَتِهِ صَحَّ، وَلَوْ وَكَّلَ فِي تزويجها جاز وإذا لم يزل عَنْهُ لَمْ تُنْتقَلْ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ كَالْحَاضِرِ.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَعَذُّرِ النِّكَاحِ مِنْهُ فَلَيْسَ تَعَذُّرُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ يُوجِبُ انْتِقَالَهَا عنه كالعضل.

فَصْلٌ

فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهُ بِالْفَقْدِ وَالْغَيْبَةِ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا أَوْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ النَّائِبُ عَنِ الْغَيْبِ فِي حُقُوقِهِمْ كَمَا زَوَّجَهَا عَنْهُ إِذَا عَضَلَ.

وإن كان غائباً لم تخل المسافة غَيْبَتِهِ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ فِيهِ، لِأَنَّ اسْتِئْذَانَهُ مَعَ بُعْدِ الْغَيْبَةِ شَاقٌّ؛ وَلِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ فِي بعد المسافة ففوت عَلَى الزَّوْجَةِ حَقَّهَا مِنَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ غيبته قريبة وهو أن يكون أقل من مسافة يوم وليلة وقد اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ: بَعِيدَةً كَانَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ قَرِيبَةً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ إِذْ لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ بِأَحْكَامِ السَّفَرِ، وَتَأَوَّلَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ " بعيدة كانت غيبته أم قريبة " على قرب الزمان كقرب الْمَكَانِ كَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَافَرَ مِنْ زَمَانٍ قَرِيبٍ أَوْ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ أَوْ مَكَانٍ بَعِيدٍ.

[فصل]

إذا أراد الحاكم تزويجها بفقد الْوَلِيِّ وَغَيْبَتِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَقَدِ اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ لَهُ إِحْضَارَ أَهْلِهَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ كَالْعَصَبَاتِ أَوْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَالْأَخْوَالِ لِيُشَاوِرَهُمْ في تزويجها

<<  <  ج: ص:  >  >>