أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَبْنَاءَ وَالْآبَاءَ لَا يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ، وَإِنَّمَا يَتَحَمَّلُهُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُ عَنِ الْقَاتِلِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " لَا يُؤْخَذُ الْأَبُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ وَلَا الِابْنُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ ".
وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِتَغْلِيظِ النُّفُوسِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْقَسَامَةُ فِي النُّفُوسِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَمْوَالِ.
وَأَمَّا الْعَمْدُ فَلِأَنَّهُ عَنْ مَعْصِيَةٍ يُسْتَحَقُّ فِيهَا الْقَوَدُ، وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ وَلَا يُوَاسَى، وَالْقَوَدُ لَا يَدْخُلُهُ تَحَمُّلٌ وَلَا نِيَابَةٌ.
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَمِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَارَةً وَبِالصِّيَامِ تَارَةً، وَلَا يَصِحُّ فِيهَا عَفْوٌ فَلَمْ يَدْخُلْهَا مُوَاسَاةٌ، وَخَالَفَتْهَا الدِّيَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُخَالَفَتَهَا فِي التحمل والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ فِي أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ حَالَةَ يُؤَدُّونَهَا مُعَجَّلَةً كَدِيَاتِ الْعَمْدِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ.
وَحُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّهَا مُؤَجَّلَةٌ فِي خَمْسِ سِنِينَ، لِأَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ إنَّهَا مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَضَافَهُ إِلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعَلَ نَقْلَهُ كَالْإِجْمَاعِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْقَضَاءِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ اعْتَرَضُوا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَقَالُوا: مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا شَيْءٌ فَكَيْفَ قَالَ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْرِفُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِيهِ شَيْئًا، فَقِيلَ لَهُ: إِن أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لَعَلَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَدَنِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ فِيهِ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ يَحْيَى الْهَجَرِيَّ. وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِقَضَائِهِ تَأْجِيلُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُ مَرْوِيٌّ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ إِسْنَادَهُ.