قِيلَ: قَدْ خَالَفْتُمُ الْمُزَنِيَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمُوهُ كِنَايَةً فِي الْقَذْفِ فَبَطَلَ بِخِلَافِكُمْ لَهُ صِحَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ، عَلَى أَنَّنِي لَمْ أرد لِلْمُزَنِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا فِي جَامِعِهِ مَا حَكَيْتُمُوهُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ، وَمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا مَدْخُولٌ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِ كَانَ قَذْفًا وَهَذَا تَرْخِيمٌ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكٍ يَا مَالِ وَلِحَارِثٍ يَا حَارِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا زَانِ كَانَ قَذْفًا، وَعَلَّلَ لَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ حُذِفَ بِهِ الْيَاءُ وَالْهَاءُ، وَكَمَا يُقَالُ لِمَالِكٍ: يَا مَالِ، وَلِحَارِثٍ: يَا حَارِ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيُّ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَفِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ.
وَحَكَى عَنْهُ حَرْمَلَةُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِي كَانَ قَذْفًا، بِحَذْفِ الْهَاءِ، وَحْدَهَا وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ.
وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِ، أَوْ يَا زَانِي، أو يا زانية، كانت هذا الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ سَوَاءً فِي الْقَذْفِ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَمَنْ يُعْتَدُّ بِمَذْهَبِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ: إِذَا قَالَ لَهَا: يَا زَانِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا لَهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَرْخِيمًا، فَاعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيلِ مَعًا، وَاحْتَجَّ لِإِبْطَالِ الْحُكْمِ بِالْقَذْفِ، بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعِ اللُّغَةِ أَنْ يَتَوَجَّهَ اللَّفْظُ الْمُذَكَّرُ إِلَى الْإِنَاثِ كَمَا لَا يَتَوَجَّهُ اللَّفْظُ الْمُؤَنَّثُ إِلَى الذُّكُورِ لِيَتَمَيَّزَ بِاللَّفْظِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، حَتَّى يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَرِّضِ المؤمنين على القتال} [الأنعام: ٦٥] . فخرج منه المؤمنات، والشافعي جعل هاهنا لَفْظَ الْمُذَكَّرِ مَصْرُوفًا إِلَى الْأُنْثَى وَهَذَا فَاسِدٌ.
وَاحْتَجَّ عَلَى إِبْطَالِ مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي التَّرْخِيمِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّرْخِيمَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ مِثْلِ مَالِكٍ، وَحَارِثٍ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَفْعَالِ وَلَا فِيمَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، مِثْلِ: زَنَى، وَدَخَلَ، وَخَرَجَ، فَلَا يَقَعُ فِيهَا تَرْخِيمٌ، وَلَا يُقَالُ لِدَاخِلٍ: يَا دَاخِ، وَلَا لِخَارِجِ: يَا خَارِ، كَذَلِكَ فِي الزِّنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّرْخِيمَ إِسْقَاطُ حَرْفٍ وَاحِدٍ كَمَا حَذَفُوا فِي تَرْخِيمِ مَالِكٍ، وَحَارِثٍ، حَرْفًا وَاحِدًا، وَالشَّافِعِيُّ أَسْقَطَ فِي تَرْخِيمِ الزَّانِيَةِ حَرْفَيْنِ: الْيَاءُ، وَالْهَاءُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْهَاءَ إِذَا تَطَرَّفَتِ الْكَلِمَةُ لَمْ تُحْذَفْ إِلَّا أَنْ تُوصَلَ بِمَا بَعْدَهَا كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ.
(أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ ... ... ... ... ... ... ... ... ... )