وَالشَّافِعِيُّ قَدْ حَذَفَهَا فِي تَرْخِيمِ زَانِيَةٍ مِنْ غَيْرِ صِلَةٍ.
وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مِنَ ابْنِ دَاوُدَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالتَّرْخِيمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ مِنْ أَوْضَحِ خَطَأٍ وَأَقْبَحِ ذَلَلٍ، أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْحُكْمِ فِي أَنْ يَكُونَ قَذْفًا إِذَا قَالَ لَهَا يَا زَانِ مَعَ مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنَ التَّرْخِيمِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أحدها: أن القذف بالزنى هُوَ دُخُولُ الْمَعَرَّةِ بِالْفَاحِشَةِ، وَقَدْ أَدْخَلَ الْمَعَرَّةَ عليها بالزنى فِي قَوْلِهِ لَهَا: يَا زَانِ كَمَا أَدْخَلَهَا فِي قَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي حُكْمِ الْقَذْفِ كَمَا اسْتَوَى فِيهِ حُكْمُ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَالْأَعْجَمِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَى الْقَذْفِ كَانَ قَذْفًا صَوَابًا كَانَ أَوْ خَطَأً، كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَلِامْرَأَةٍ زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ، كَانَ قَذْفًا وَإِنْ لَحَنَ فِيهِ، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَفْهُومٌ مِنْهُ، كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لَهَا: يَا زَانِ، وَإِنْ كَانَ لَحْنًا عِنْدَهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى مُؤَنَّثٍ لِيَزُولَ بِهَا الْإِشْكَالُ وَالْإِشَارَةُ بِالنِّدَاءِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِي إِرَادَةِ الْمُخَاطَبِ فَإِذَا أَشَارَ إِلَيْهَا فِي النِّدَاءِ بِقَوْلِهِ: يَا زَانٍ أَغْنَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا عَنِ الْهَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَيْهَا فَلَمْ يُؤَثِّرْ حَذْفُهَا مَعَ وُجُودِ الْإِشَارَةِ وَإِنْ أَثَّرَ حَذْفُهَا مَعَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ.
وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالتَّرْخِيمِ فَإِنَّ التَّرْخِيمَ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ مَعًا، قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَفَى بِالسَّيْفِ شَا، يَعْنِي شَاهِدًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي حَدِّ التَّرْخِيمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إِذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يَدْخُلُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ إِذَا كَانَ الْبَاقِي مَفْهُومَ الْمُرَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ كُلِّهَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ بَاقِيهَا مِثْلُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ، وَلَا يُمْنَعُ فِي أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ كُلِّهَا إِذَا فُهِمَ بَاقِيهَا مِثْلُ مَالِكٍ مُشْتَقٍّ منْ مَلَكَ، وَحَارِثٍ مِنْ حَرَثَ وَصَاحِبٍ مِنْ صَحِبَ.
فَبَطَلَ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُدَ مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَسْمَاءِ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لَهَا لَمَّا اسْتُشْهِدَ بِهِ مِنَ امْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ تَأْثِيرٌ، لِأَنَّ بَاقِيَهَا غَيْرُ مَفْهُومٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يُحْذَفُ بِالتَّرْخِيمِ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُحْذَفُ بِالتَّرْخِيمِ حَرْفَانِ وَأَكْثَرُ مَا بَعْدَ الْحَرْفِ الثَّالِثِ مِنَ الِاسْمِ مِعْتَلًّا. وَالْحُرُوفُ الْمُعْتَلَّةُ: الْأَلِفُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ، فَيَقُولُ فِي عُثْمَانَ يَا عُثْمَ، وَفِي مَنْصُورٍ: يَا مَنْصُ، وَفِي مَرْوَانَ: يَا مَرْوَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَفَى بِالسَّيْفِ شَا، يَعْنِي شَاهِدًا، فَحَذَفَ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ، وَنَادَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: " يَا أَبَا هِرٍّ، فَحَذَفَ مِنْ كُنْيَتِهِ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ، أَمَّا قوله: إن