للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى بَعْضِ الرَّكْعَةِ، فَالْوَصْفُ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ قَدْ تَكُونُ فَرْضًا إِذَا نَذَرَهَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الرَّكْعَةِ أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِانْفِرَادِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ

فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثٌ بِسَلَامَيْنِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّا لَا نَجِدُ فِي الشَّرْعِ صَلَاةً لَا يَكُونُ السَّلَامُ فِيهَا قَطْعًا فَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَعْنِي بِقَوْلِهِ إِنَّهَا ثَلَاثٌ لَا يُجَزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً كَقَوْلِ أبي حنيفة، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْوِتْرَ هِيَ الْمُفْرَدَةُ فَهُوَ كَقَوْلِنَا، ثُمَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ اتفاق الجميع على أن الثلاث ركعات يجهز فِيهَا كُلِّهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا أَنْ لَيْسَ فِي الثَّلَاثَةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَكَالْمَغْرِبِ، فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُفْرَدَةَ لَهَا حُكْمُ نَفْسِهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى مَا تَقَدَّمَهَا، وَإِنْ وَصَلَ ذَلِكَ بِهَا لَمْ يَقْدَحْ فِي صِحَّتِهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْوِتْرُ عِنْدَكُمْ رَكْعَةً فَلِمَ لَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ تُبْطِلُهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، قِيلَ: لِظُهُورِ الْخِلَافِ فِيهَا، وَوُرُودِ السُّنَّةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا

وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهُنَّ بخمس لا يجلس إلا في الخامسة

أما الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَظَرَ إِلَى الشَّافِعِيِّ قَدْ قَالَ فِي مَوَاضِعَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ ظَنَّ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لَهُ ثَانٍ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ بَلْ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الوتر واحدة

[(فصل القول في استحباب تأخير الوتر)]

إِذَا أَرَادَ صَلَاةَ اللَّيْلِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوِتْرَ لِيَخْتِمَ بِهِ صَلَاتَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِرَكْعَةٍ "، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ نَوْمِهِ، وَعِنْدَ اسْتِيقَاظِهِ فَالِاخْتِيَارُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْوِتْرَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَصَلَّى أَوْتَرَ حِينَئِذٍ، فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ نَامَ، وَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى صَلَاتِهِ جَازَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُوتِرُ وَيَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَهَجَّدُ

وَمِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَهَجَّدُ وَيُوتِرُ بَعْدَهُ

وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ أَمَّا أَنْتَ فَتَأْخُذُ بِالْحَزْمِ، وَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا أَنْتَ فتعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>