قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا تَحْرِيمُ الْمَسِيسِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَمِمَّا أَجَابَهُ النَّصُّ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بما تعملون خبير فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٣، ٤] وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْإِطْعَامِ فَقَدْ جَوَّزَهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الَثَّوْرِيُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ الْعِتْقَ وَالصِّيَامَ بِتَحْرِيمِ الْمَسِيسِ قَبْلَهُمَا فَبَقِيَا عَلَى تَقْيِيدِهِمَا وَأَطْلَقَ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَحْرِيمِ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ فَحُمِلَ عَلَى إِطْلَاقِهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْمَسِيسَ قَبْلَ الْإِطْعَامِ يُحَرَّمُ كَتَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَكْفِيرٌ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى مُقَيَّدٍ وَاحِدٍ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى مُقَيَّدَيْنِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَوْكَدُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ لِتَغْلِيظِ حَالِ الظِّهَارِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ وُجُودِ الْمَسِيسِ فِي التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ وَهُوَ أَطْوَلُ وَزَمَانُهُ أَضَرُّ كَانَ تَأْخِيرُهُ عَنِ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ مَعَ قُرْبِهِ أحق.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ إِلَّا كَفَّارَةً كَامِلَةً مِنْ أَيِّ الْكَفَّارَاتِ كَفَّرَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعِّضَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَلَا غَيْرَهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ فَيُعْتِقُ بَعْضَ رَقَبَةٍ وَيُتِمُّهَا بِبَعْضِ الصَّوْمِ أَوْ يَصُومُ بَعْضَ الصِّيَامِ وَيُتِمُّ بِالْإِطْعَامِ حَتَّى يُكْمِلَهَا مِنْ أَحَدِ الأجناس، فإذا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ كَمَّلَ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ كَمَّلَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ كَمَّلَ إطعام ستين مسكيناً لأن الله يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ وَلَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْنَاسٍ ثَلَاثَةٍ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِتَبْعِيضِ الْأَجْنَاسِ أَوْ تَفْرِيقِهَا جَامِعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَالْإِضْرَارُ يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ: أَوَ لَسْتُمْ تَقُولُونَ فِيمَنْ وَجَدَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ أن يَسْتَعْمِلُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِبَاقِيهِ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَل. قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: ظَاهِرٍ وَمَعْنًى أَمَّا الظَّاهِرُ فَلِأَنَّهُ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} إِلَى أَنْ قَالَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٣، ٤] فَجَعَلَ الصِّيَامَ بَدَلًا مِنْ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي كَانَتْ فَرَضَهُ فَي التَّكْفِيرِ وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] فَذَكَرَ مَاءً مُنْكَرًا فَصَارَ فَرْضَهُ أي ما وجده. أما الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ يَنُوبُ تَارَةً عَنْ طَهَارَةِ بَعْضِهِ فِي الْحَدَثِ وَلَا تُمَاثِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute