للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمَا لِحُصُولِ الْجُمْعَةِ لَهُمَا فِي الظَّاهِرِ، فَلَمْ يَجُزْ إِبْطَالُهَا بِالشَّكِّ الطَّارِئِ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْيَقِينَ ثُبُوتُ الْجُمْعَةِ فِي الذِّمَّةِ، وَالشَّكَّ طَارِئٌ فِي سُقُوطِهَا عَنِ الذِّمَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ بَاقِيًا لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِيَقِينٍ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمَا فَهَلْ يُعِيدَانِ جُمْعَةً أَوْ ظُهْرًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ الْأُمِّ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ الْجُمْعَةِ، لِأَنَّ فَرْضَهَا لَمْ يَسْقُطْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِيَ: عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ الظُّهْرِ، لِأَنَّ الْجُمْعَةَ قَدْ أُقِيمَتْ مَرَّةً، وَلَيْسَ جَهْلُنَا بِأَيِّهِمَا الْجُمْعَةُ جَهْلًا بِأَنَّ فِيهِمَا جُمْعَةً، وَإِذَا أُقِيمَتِ الْجُمْعَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ إِقَامَتُهَا ثَانِيَةً.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُشْكِلَ الْأَمْرُ فِيهِمَا، فَلَا يُعْلَمُ هَلْ صَلَّيَا مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا إِعَادَةُ الْجُمْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا قَدْ صَلَّيَا مَعًا، فَلَا تنعقد الجمعة لواحد منهما.

[(فصل)]

: وإذا اختلف أَوْصَافُهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ لِحُضُورِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِي السَّبْقِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَسْبِقَ الْأَعْظَمُ ثُمَّ يَتْلُوهُ الْأَصْغَرُ: فَالْجُمْعَةُ لِلْأَعْظَمِ السَّابِقِ، وَيُعِيدُ الْأَصْغَرُ ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِيَ: أَنْ يَسْبِقَ الْأَصْغَرُ ثُمَّ يَتْلُوهُ الْأَعْظَمُ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُمْعَةَ لِلْأَصْغَرِ السَّابِقِ، لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهَا، فَلَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُؤَثِّرًا، وَوَجَبَ اعْتِدَادُ الْجُمْعَةِ لِلْأَسْبَقِ مِنْهُمَا، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ أَهْلُ الْأَعْظَمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْجُمْعَةَ للأعظم وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا، لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ جُمْعَةِ الْأَصْغَرِ إِذَا كَانَ سَابِقًا افْتِيَاتًا عَلَى السُّلْطَانِ، وَتَعْطِيلًا لَجُمْعَتِهِ، وَإِشْكَالًا عَلَى النَّاسِ فِي قَصْدِ مَا تَصِحُّ بِهِ الْجُمْعَةُ، وَلَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِفْسَادِ الصَّلَاةِ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى السَّبْقِ طَمَعًا فِي حُصُولِ الْجُمْعَةِ، وَلَكَانَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إِلَى أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ فَأَقَامُوا الْجُمْعَةَ فِي مَسْجِدٍ لَا تَظْهَرُ إِقَامَتُهَا ظُهُورًا عَامًّا أَنْ يَمْتَنِعَ السُّلْطَانُ وَبَاقِي النَّاسِ مِنْ إِقَامَتِهَا، فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْفَسَادِ وَجَبَ تَصْحِيحُ جُمْعَةِ الْأَعْظَمِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَاهَا مَعًا وَلَا يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُمْعَةَ لِلْأَعْظَمِ وَعَلَى أَهْلِ الْأَصْغَرِ أَنْ يُعِيدُوا ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ لَا جُمْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَأْنِفُوا إِقَامَتَهَا فِيهِ ثَانِيَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>