وَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُنْزَعُ من يده ويقسم بَيْنَهُمَا، وَيُطَالِبُهُ الْحَاكِمُ بِكَفِيلٍ لِمَالِكِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُوقَفُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا تنتزع من يده، فإن قالا الْمُدَّعِيَانِ لَا نَرْضَى بِأَمَانَتِهِ ضَمَّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا يَرْضَيَانِ بِهِ، وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِيَانِ صَاحِبَ اليد عن مالكها حين أقر بها لغيرهما وَجَبَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا أَنْ يَذْكُرَهُ، وَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا، لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَاضِرِ يُفِيدُ، وَذِكْرَ الْغَائِبِ لَا يُفِيدُ، وإذا كان هذا سَأَلَهُ الْحَاكِمُ أَحَاضِرٌ مَالِكُهَا أَمْ غَائِبٌ؟ (فَإِنْ قَالَ: غَائِبٌ) لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَكَانَ عَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ قَالَ: حَاضِرٌ، سَأَلَهُ عَنْهُ، فَإِنْ ذَكَرَهُ صَارَ هُوَ الْخَصْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَذْكُرَهُ، لِامْتِنَاعِهِ مِنْ بَيَانِ مَا لَزِمَهُ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا القسم الثالث: وهو أن يُقِرُّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وفي وجوب اليمين عليه قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْيَمِينُ، لِإِنْكَارِهِ الْآخَرَ.
وَالثَّانِي: أنه لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ، فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَحَلَفَ فَهِيَ لِلْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا، فَإِنِ اسْتَأْنَفَ الْمُكَذَّبُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُصَدَّقِ سُمِعَتْ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا رُدَّتْ عَلَى الْمُكَذَّبِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا اسْتَقَرَّتِ الْوَدِيعَةُ مَعَ الْمُصَدَّقِ، وَإِنْ حَلَفَ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أحدهما: أَنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ يَمِينَ الْمُكَذَّبِ بَعْدَ النُّكُولِ تُسَاوِي الْإِقْرَارَ لِلْمُصَدِّقِ فَاسْتَوَيَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُنْتَزَعُ مِنْ يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ وَتُوقَفُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهَا لِلْأَوَّلِ وَيُغَرَّمُ لِلْمُكَذِّبِ الْحَالِفِ بَعْدَ نُكُولِهِ قِيمَتَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ الْمُتَقَدِّمِ كَالْمُتْلِفِ لَهَا.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ لَهُمَا مَعًا فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ، وَقَدْ صَارَ مُصَدِّقًا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى النِّصْفِ مُكَذِّبًا لَهُ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ، فَهَلْ يَحْلِفُ فِي تَكْذِيبِهِ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ يمين أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ الْجَوَابُ إِنْ حَلَفَ أَوْ نَكَلَ عَلَى مَا مَضَى، فَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَأْنَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الدَّعْوَى عَلَى صَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ سُمِعَتْ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِأَحَدِهِمَا لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَا عِلْمَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَدَّعِيَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا عِلْمَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَيَتَحَالَفُ عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَانِ،