للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْقَاقِ بَيْعِهِ، فَإِذَا بِيعَ لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الْحَقِّ مِنْ ثَمَنِهِ فَهَذِهِ وَمَا شَاءَ كُلُّهَا شُرُوطٌ يَمْنَعُ الرَّهْنُ مِنْهَا، وَهِيَ شُرُوطٌ نَاقِصَةٌ فَكَانَتْ بَاطِلَةً، لِمُنَافَاتِهَا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَكَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ مُوجَبِ الرَّهْنِ، وَإِذَا بَطَلَ الرَّهْنُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَهَلْ يَبْطُلُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِهِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعُرْفِ يَزِيدُ بِعَدَمِهِ، وَيَنْقُصُ بِاشْتِرَاطِهِ كَالْخِيَارِ، وَالْأَجَلِ، وَإِذَا بَطَلَ الرَّهْنُ بَطَلَ مِنَ الثَّمَنِ مَا قَابَلَهُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَيُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ بَاقِي الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ الْمَجْهُولُ يُبْطِلُ صِحَّةَ الْبَيْعِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي إِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَإِنْ بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ يَصِحُّ إِفْرَادُهُ عَنِ الْبَيْعِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِحُكْمِهِ فَلَا يَكُونُ فَسَادُهُ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْبَيْعِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ، كَالصَّدَاقِ الَّذِي لَمَّا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا عَنِ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ بُطْلَانُهُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ الَّذَيْنِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إِفْرَادُهُمَا عَنِ الْعَقْدِ كَانَ بُطْلَانُهُمَا مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الرَّهْنَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ لِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْقَرْضِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الضَّرْبُ الرَّابِعُ مِنْهَا: وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ مَمْنُوعَاتِهِ الزَّائِدَةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ زِيَادَةَ صِفَةٍ فِي الْحُكْمِ.

وَالثَّانِي: زِيَادَةً وَثِيقَةً كَالرَّهْنِ.

وَالثَّالِثُ: زِيَادَةَ تَمْلِيكٍ مِنَ الرَّهْنِ.

فَأَمَّا زِيَادَةُ الصِّفَةِ فِي الْحُكْمِ: فَمِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ في العقد ببيع الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ، أَوْ يَشْتَرِطَ بَيْعَهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ فَهَذَا وَمَا شَاءَ كُلُّهُ شُرُوطٌ زَائِدَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الرَّهْنِ فَكَانَتْ بَاطِلَةً لِمُنَافَاتِهَا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِبُطْلَانِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ لِشَرْطِ مَا يُنَافِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ شُرُوطًا زَائِدَةً، كَمَا يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيهِ مِنَ الشُّرُوطِ النَّاقِصَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الشُّرُوطَ النَّاقِصَةَ تَمْنَعُ بَعْضَ مُوجِبَاتِ الرَّهْنِ فَكَانَتْ مُبْطِلَةً، وَالشُّرُوطُ الزَّائِدَةُ قَدِ اسْتَوْفَى مَعَهَا مُوجِبَاتِ الرَّهْنِ فَلَمْ تُبْطِلْهُ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوَثِيقَةِ فِي الرَّهْنِ فَمِثْلُ أَنْ يَرْهَنَهُ نَخْلًا عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَتْ كَانَ رَهْنًا مَعَهَا، أَوْ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ مَا أَنْتَجَتْ كَانَ رَهْنًا مَعَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ مَا اسْتُغِلَّ مِنْ أُجْرَتِهَا كَانَ رَهْنًا مَعَهَا، فَهَذَا وَمَا يَشَاءُ كُلُّهُ مِنَ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ فِي وَثِيقَةِ الرَّهْنِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>