أَوْ رَبَطَهُ بِيَدَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْكَلْبِ الَّذِي لَهُ اخْتِيَارٌ يَنْصَرِفُ بِهِ، فَلَوْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَكَانَتْ صَغِيرَةً تَنْصَرِفُ بِإِرَادَتِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ رِبَاطَ مَيْتَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى تَصْرِيفِهَا نَظَرَ فِي رِبَاطِهَا، فَإِنْ كَانَ مُلْقًى عَلَى النَّجَاسَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ طَرَفُ رِبَاطِهَا مَشْدُودًا بِمَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْهَا فَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: جَائِزَةٌ
(فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الْمُسْتَقْذَرِ في الصلاة)
إِذَا حَمَلَ فِي صَلَاتِهِ طَائِرًا، أَوْ حَيَوَانًا طَاهِرًا فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسُهَا مَضْمُومًا أَوْ كَانَ ضَمًّا ضَعِيفًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا مَضْمُومًا ضَمًّا وَثِيقًا بِرَصَاصٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، كَمَا لَوْ حَمَلَ طَائِرًا مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً مُسْتَبْطِنَةً فَكَذَلِكَ إِذَا حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ، وَهَذَا غَلَطٌ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ نَجَاسَةَ الطَّيْرِ فِي مَعِدَتِهَا فَجَرَتْ مَجْرَى النَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي وَنَجَاسَةُ الْقَارُورَةِ مُسْتَوْدَعَةٌ فَجَرَتْ مَجْرَى النَّجَاسَةِ الظاهرة
[(مسألة: القول في دخول الجنب المسجد)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا، وَلَا يُقِيمُ فِيهِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تغتسلوا} قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدِي مَوْضِعُ الصَّلَاةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
الْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ لَهُ الِاجْتِيَازُ فِيهِ مَارًّا، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَابِرٌ، وَمِنَ التَّابِعِينَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا مُقِيمًا، وَلَا مَارًّا تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لَا لِجُنُبٍ، وَلَا لِحَائِضٍ " قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِيَازُ فِيهِ كَالْحَائِضِ، وَمَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ، وَلِأَنَّهُ جُنُبٌ حَلَّ مَسْجِدًا فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا