بُدِئَ فِيهَا بِالْإِطْعَامِ ثُمَّ وَجَدْنَا كَفَّارَةَ الْجِمَاعِ بُدِئَ فِيهَا بِالْأَغْلَظِ، وَهُوَ الْعِتْقُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ فِيهَا مُسْتَحَقًّا، فَأَمَّا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَرِوَايَتُنَا أَوْلَى لِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَنَقْلِ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَتَفْسِيرِ أَلْفَاظِهِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا احْتِمَالٌ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيُبْدَأُ أَوَّلًا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا، وَأَجَازَ أبو حنيفة عِتْقَ رَقَبَةٍ كَافِرَةٍ، وَالْكَلَامُ يَأْتِي مَعَهُ، فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ عَدِمَ الرَّقَبَةَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ سِوَى يَوْمِ الْقَضَاءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: " صُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ " وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إِنْ صَامَهُ مُنْفَرِدًا أَجْزَأَهُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صم شهرين متتابعين سوى يوم القضاء " فإذا أَفْطَرَ فِيهَا يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ، أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ مِنَ الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ عَلَى مَا مَضَى فِي كِتَابِ " الزَّكَاةِ ".
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ أَخْرَجَ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ، وَإِنْ أَخْرَجَ بُرًّا فَنِصْفُ صَاعٍ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ لَا أَجِدُ فَدَعَا بِفَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا تَمْرًا وَقَالَ أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَدَلَّ على أن الواجب لكل مسلكين مُدٌّ، فَإِنْ عَدِمَ الْإِطْعَامَ، وَلَمْ يَجِدْ إِلَى التَّكْفِيرِ سَبِيلًا فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَذِنَ لِلْأَعْرَابِيِّ فِي أَكْلِ التَّمْرِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِحَاجَتِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِهَا إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا مَعَ جَهْلِهِ بِالْحُكْمِ فِيهَا، وَقِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ إِذَا عَدِمَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِيمَا بَعْدُ لِتَعَلُّقِهَا بِطُهْرَةِ الصَّوْمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَازِمَةٌ لَهُ، وَإِخْرَاجَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، إِذَا أَمْكَنَهُ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَجْزِهِ عَنْ أَجْنَاسِ الْكَفَّارَةِ، لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ سُقُوطَهَا عَنْهُ بَلْ أَمَرَ لَهُ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنَ التَّمْرِ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَقِيَاسًا عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وإن دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّوْمِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِتْقُهَا وَالصَّوْمُ يُجْزِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute