للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ رَمَى بِهِ أَوْ رَمَى بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ طَاوُسٌ: إِنْ رَمَى بِمَا قَدْ رُمِيَ بِهِ مَرَّةً لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ رَمَى بِهِ هُوَ، أَوْ رَمَى غَيْرُهُ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ: إِنْ رَمَى بِهِ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ رَمَى بِهِ هُوَ لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ رَمْيَهُ بِهِ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَ الْحَجَرِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَكُنْ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ بِهِ مَانِعًا مِنْ أَدَائِهَا ثَانِيَةً بِهِ كَالْكُسْوَةِ، وَالْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ أَجَزْتُمُ الرَّمْيَ بِهِ ثَانِيَةً وَبَيْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَيْثُ مَنَعْتُمُ اسْتِعْمَالَهُ ثَانِيَةً.

قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ قَدْ سَلَبَهُ اسْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَجُزِ اسْتِعْمَالُهُ وَالرَّمْيُ بِالْأَحْجَارِ لَمْ يَسْلُبْهَا اسْمَ الْأَحْجَارِ فَجَازَ الرَّمْيُ بِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ ثانية كالعتق في الكفارات.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو رمى فوقعت حَصَاةٌ عَلَى محملٍ ثُمَّ اسْتَنَّتْ فَوَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى أَجْزَأَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي ثَوْبِ رَجُلٍ فَنَفَضَهَا لَمْ يُجْزِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ عَلَى رَامِي الْجِمَارِ حُصُولَ الْحَصَى فِي الْجِمَارِ بِرَمْيِهِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِحَصَاةٍ فَوَقَعَتْ عَلَى مَحْمَلٍ، أَوْ حَمْلٍ ثُمَّ اسْتَنَّتْ فَوَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ بِرَمْيِهِ، فَإِنْ قِيلَ فَالسَّهْمُ الْمُزْدَلِفُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَأَصَابَ الْهَدَفَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَهَلَّا كَانَ رَمْيُ الْجِمَارِ مِثْلَهُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الرَّمْيِ حَذْفُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ، فَإِذَا أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ إِلَى الْهَدَفِ أَنْبَأَ ذَلِكَ عَلَى سُوءِ رَمْيِهِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَالْمَقْصُودُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ حُصُولُ الْحَصَى فِي الْجَمْرَةِ بِفِعْلِهِ فَكَانَ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ بِنَفْسِهِ مُعْتَدًّا بِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ، فَأَمَّا إِذَا رَمَى بِحَصَاةٍ فَأَصَابَ ثَوْبَ رَجُلٍ فَنَفَضَهَا فَوَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ قَاطِعٌ لِلْأَوَّلِ، فَصَارَ الرَّمْيُ مَنْسُوبًا إليه، فلو رمى بها فأصاب عُنُقَ بَعِيرٍ فَحَرَّكَهُ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ فلم يعمل هَلْ وَقَعَتْ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ أَوْ بِتَحْرِيكِ الْبَعِيرِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ الرَّامِي فَيُجْزِئُ؛ وَبَيْنَ أن يكون بِتَحْرِيكِ الْبَعِيرِ فَلَا يُجْزِئُ، وَبِالشَّكِّ لَا يَسْقُطُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الرَّمْيِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ مُتَحَقِّقٌ، وَحُدُوثَ الْفِعْلِ الثَّانِي بِتَحْرِيكِ الْبَعِيرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ فِعْلٍ مُتَحَقِّقٍ بِفِعْلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.

فَصْلٌ

: إِذَا رَمَى بِحَصَاةٍ فوقعت دون الجمرة ثم ازدلفت بحموتها فَوَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ حُصُولَهَا فِي الْجَمْرَةِ بِفِعْلِهِ، وَلَوْ أَطَارَتْهَا الرِّيحُ فَأَلْقَتْهَا فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ حُصُولَهَا فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَوْ رَمَى فَجَاوَزَ الْجَمْرَةَ وَسَقَطَ وَرَاءَهَا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>