[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَا يُقْتَصُّ إِلَّا مِنْ بَالِغٍ وَهُوَ مَنِ احْتَلَمَ مِنَ الذُّكُورِ أَوْ حَاضَ مِنَ النِّسَاءِ أو بَلَغَ أَيُّهُمَا كَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وُجُوبُ الْقِصَاصِ مُعْتَبَرٌ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِي التَّكْلِيفِ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ لِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يحتلم، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ " فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَطَعَ أُنْمُلَةَ صَبِيٍّ.
قِيلَ: لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَطْعُهَا لِأَكَلَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا لِتَسْلَمَ مِنْ سَرَايَتِهَا، وَلَمْ يَقْطَعْهَا قَوَدًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غُلَامًا صَغِيرًا فِي الْمَنْظَرِ وَإِنْ بَلَغَ، وَلِأَنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ يَمْنَعُ مِنَ الوَعِيدِ وَالزَّجْرِ؛ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ كَمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْأَبْدَانِ تَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالصِّغَرِ كَالْعِبَادَاتِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا إِذَا جَنَيَا لَمْ يُؤْخَذَا بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَوَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إِذَا قَتَلَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْقَاتِلِ دُونَ الْمَقْتُولِ فَلَوِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ وَكَانَ بَالِغًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ حَتَّى يُعْلَمَ الْبُلُوغُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ الْقَوَدِ حَتَّى يُعْلَمَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَلَوِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ مَجْنُونٌ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ وَكَانَ عَاقِلًا؛ فَإِنْ عُلِمَ بِجُنُونِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِلْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ جُنُونُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ؛ فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُمَا فِي الْعَمْدِ لَزِمَتْهُمَا الدِّيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَوُجُوبِهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، وَفِي الدِّيَةِ اللَّازِمَةِ لَهُمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمَا.
وَالثَّانِي: عَلَى عَوَاقِلِهِمَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي عَمْدِهِمَا هَلْ يَكُونُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute